محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢
بل مقتضى العمومات القرآنيّة والأخباريّة حرمة تلك الذبيحة ، بل في صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليهالسلام أنّه سأله « عن الرجل يذبح ولا يسمّى ، فقال : إن كان ناسيا فلا بأس عليه ، إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح » (١). وصحيحة الحلبي ، عن الصادق عليهالسلام : « من لم يسمّ إذا ذبح ، فلا تأكله » (٢) ، خرج النسيان وبقي الباقي.
قوله : [ وظاهر الأصحاب التحريم ] ، ولكنّه يشكل ، لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ، ما لم يكن ناصبيّا .. إلى آخره (٣).
حكمهم بحلّ ذبيحة المخالف من حيث كونه مسلما ، لا من حيث اعتقاده عدم وجوب التسمية ، بل ربّما ظهر من كلامهم اشتراط تسميتهم ، كما ذكره في « الدروس » (٤) ، فلاحظ وتأمّل!
قوله : ويدلّ عليه أيضا حسنة فضيل ، وزرارة ، ومحمّد بن مسلم هي صحيحة في « الفقيه » أنّهم سألوا أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحم من الأسواق ، ولا يدرون ما صنع القصّابون ، قال : « كل ، إذا كان ذلك في سوق المسلمين ، ولا تسأل عنه » (٥) .. إلى آخره (٦).
هذا ـ مع صحّة السند ـ يدلّ على ما ذهب إليه الأصحاب ، أنّ التذكية
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١١٧ ـ ١١٨ ، الكافي : ٦ ـ ٢٣٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٩ الحديث ٢٩٩٠٤.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١١ الحديث ٩٨٠ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٣٠ الحديث ٢٩٩٠٨.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١١٦ ، الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٤١٣.
(٤) الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٤١٣.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١١ الحديث ٩٧٦ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٧٠ الحديث ٣٠٠٢٣.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٢٤.
شرط للطهارة والحلّية ، وأنّ مع الجهل بالتذكية لا يصير طاهرا حلالا باعتبار أصالة طهارة الأشياء وأصالة إباحتها ـ كما توهّم من توهّم (١) ـ وأنّ الشرط إذا كان مشكوكا يوجب ذلك كون المشروط ـ أيضا ـ مشكوكا ، بل الأخبار الدالّة على اشتراط التذكية متواترة (٢) ، وكذا الإجماعات المنقولة (٣) ، فإنّ الظاهر منها ومن الأخبار أنّ الحليّة والطهارة تتوقّفان على تحقّق التذكية وشرائطها ، لا أنّهما أصل يحكم بهما ، إلّا أن يثبت عدم التذكية ، أو عدم شرائطها ، كما توهّم المتوهّم.
ويدلّ أيضا أنّ ما يؤخذ من سوق المسلمين فهو محكوم بالتذكية (٤) ، وظاهره أن لا يكون مأخوذا من يد الكافر ، لأنّه المتبادر.
قوله : وضعيفة زرارة بسهل بن زياد ، قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرى ما يصنع القصّابون ، قال : فقال : إذا كان في سوق المسلمين فكل ولا تسأل عنه » .. إلى آخره (٥).
لا يخفى أنّ هذه الرواية صحيحة أيضا ، كما حقّقنا في الرجال (٦) ، وجماعة من المحقّقين على أنّ ضعف سهل سهل ، وأنّه من مشايخ الإجازة ، يذكرونه لمجرّد
__________________
(١) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٢٤.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٦٥ الباب ١٨ والباب ١٩ من أبواب الصيد.
(٣) لاحظ! رياض المسائل : ٢ ـ ٢٦٤.
(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ ـ ٤٩٠ الباب ٥٠ من أبواب النجاسات و ٢٤ ـ ٧٠ الباب ٢٩ من أبواب الذبائح.
(٥) لم نعثر على هذا المتن في مجمع الفائدة والبرهان ـ المطبوع ـ ولعلّه موجود في النسخة الّتي كان قد اعتمدها المحشّي رحمهالله ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٧٠ الحديث ٣٠٠٢٣ بالإسناد الرابع.
(٦) تعليقات على منهج المقال : ١٧٦.
اتّصال السند ، وأنّه مقبول الرواية البتّة ، فهي كالصحيحة عندهم ، مع أنّها منجبرة بفتاوي الأصحاب أيضا.
قوله : ولا يجب السؤال ، بل ولا يستحبّ [ وإن كان البائع غير معتقد للحقّ ] .. إلى آخره (١).
يظهر من هذا أنّ البائع لا بدّ من أن يكون من المسلمين ، أو من المسلمين بحسب الظاهر ، وأنّه لا يجوز الأخذ من الكافر ، كما أشرنا.
قوله : ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح حتّى تبرد الذبيحة .. إلى آخره (٢).
الظاهر أنّه ليس في هذه الصحيحة (٣) قوله : « تبرد الذبيحة ».
قوله : وما روى مسعدة بن صدقة ، قال : « سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن أكل الجراد ، فقال : لا بأس بأكله ، ثمّ قال : إنّه نثرة من حوت البحر (٤) ، ثمّ قال : إنّ عليّا عليهالسلام قال : إنّ الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي » .. إلى آخره (٥).
لعلّه تعليل لاتّحاد حكمه مع حكم السمك ، فتأمّل!
قوله : وأيضا قالوا : الوجهان ، فيما إذا خرج وحياته مستقرّة ولكن الزمان لا يسع التذكية فيموت قبل أن يذكّى ، الحلّ .. إلى آخره (٦).
المعتبر في الصحاح المستفيضة التماميّة بحسب الجسد ، حيث قالوا عليهمالسلام : « إن
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٢٥ ، الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٤١٦.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٣٤ ، وفيه : ( « ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح » يعني حتّى تبرد الذبيحة ) ، أي أنّ عبارة ( حتّى تبرد الذبيحة ) لم ترد ضمن متن الرواية.
(٣) أي صحيحة محمّد بن مسلم : الكافي : ٦ ـ ٢٣٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٩ الحديث ٢٩٩٠٤.
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( من حوت في البحر ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٤٩ ، الكافي : ٦ ـ ٢٢١ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٨٧ الحديث ٣٠٠٦٩.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤.
كان قد أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمّه » (١) ، فالمعتبر تماميّة الأجزاء الخارجة عن ماهيّة الجسد ـ مثل الشعر والوبر ـ ولم يعتبر في خبر ولوج الروح أو عدم ولوجه ، وأنّه لو ولج يكون اللازم حينئذ التذكية على حدة ، بل ظاهر الأخبار أنّ تماميّة الخلقة بالنسبة إلى مثل الشعر يكفي ، ولا يحتاج إلى تذكية على حدة ، وإن كان ولجه الروح.
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٣٣ الباب ١٨ من أبواب الذبائح.
الأطعمة والأشربة
في حال الاختيار
قوله : قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كلّ شيء خال عن الضرر [ وشربه ] ، وقد تبيّن دلالة العقل على أنّ الأشياء الخالية عن الضرر مباحة ، ما لم يرد ما يخرجه عن ذلك ، والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا ، مثل ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (١) ، و ( كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ) (٢) .. إلى آخره (٣).
لعلّ مراده من الضرر العلم بالضرر ، كما يظهر من باقي [ كلامه ] ، وأنّه هو النافع ، لا ما فيه الضرر واقعا ، لاحتمال الضرر في كلّ واحد منها ، إلّا ما علم عدم الضرر فيه ، وقلّما يكون كذلك.
قوله : ويؤيّده حصر المحرّمات ، مثل ( قُلْ لا أَجِدُ ) (٤) الآية. نعم ، قد يحرم المحلّل بأشياء أخر مثل الغصب ، ويحلّ المحرّم بالاضطرار (٥) ، وذلك غير
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٩.
(٢) البقرة ٢ : ١٦٨.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٦.
(٤) الأنعام ٦ : ١٤٥.
(٥) كذا ، وفي المصدر : ( للاضطرار ).
معتبر .. إلى آخره (١).
لعلّ الحصر بالإضافة إلى ما كان عادة أهل ذلك الزمان أكله ، ووقع النزاع في حرمته ، أو أحدث الأحبار والرهبان والقسّيسون حرمته ، وإلّا فيتحقّق التخصيص الّذي لا يرضى به المحقّقون وظهر فساده في موضعه.
قوله : فالظاهر من كلامهم أنّه حرام أيضا ، وفيه تأمّل .. إلى آخره (٢).
قد مرّ الإشارة إلى أنّه حقّ ، وإلى دليله ، وأنّه حديث صحيح واضح الدلالة ، وغير ذلك ، فلا وجه لتأمّله.
في البهائم
قوله : وصحيحة أبي بصير ، قال : « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إنّ الناس أكلوا لحم دوابّهم (٣) يوم خيبر » .. إلى آخره (٤).
سيجيء عند ذكر لبن المحرّمات أخبار أخر ظاهرة في حلّيته ، بل وعدم كراهته (٥) ، فتأمّل!
قوله : ولعلّ مقارنته بالمحرّمين (٦) منعه عن ذلك (٧) ، ولكن التقيّة أيضا بعيد
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٧.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٧.
(٣) كذا ، وفي المصادر : ( لحوم دوابّهم ).
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٤١ الحديث ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٠ الحديث ٣٠١٣٠.
(٥) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢١٥.
(٦) أي : الجرّي والضبّ.
(٧) أي : منع « الاستبصار » عن الحمل على التقيّة.
عن غير سؤال .. إلى آخره (١).
الداعي على الحمل إن كان موجودا ، فلا يمنع منه ما ذكره ، إذ المقام لعلّه اقتضى الأمرين كما اقتضى الحكم بخلاف الحقّ ، وإلّا فلا وجه للحمل عليها ، بل لا بدّ من الحمل على مرّ الحقّ ، وقد عرفت ما يظهر منه الاقتضاء.
قوله : فإنّه قد فهم عدم التحريم ممّا تقدّم ، وأنّ قوله عليهالسلام في الأوّل « إنّما الحرام ما حرّمه الله في كتاب » (٢) .. إلى آخره (٣).
الّذي فهم ممّا تقدّم أنّ نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المعهود المعروف (٤) ما كان إلّا لأجل فناء ظهور (٥) ، فالنهي ما تعلّق إلّا به ، وإلّا فهي حلال ، والّذي ظهر من صحيحة ابن مسكان (٦) ـ الّتي هي الأصل في المقام ـ أنّ النهي المعهود عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان عن نفس طرقها ، فلا يأكل إلّا أن يضطرّ ، والمعلّق على الاضطرار ظاهر في كونه بغير الاضطرار غير حلال ، فالدلالة مؤكّدة مضادّة لدلالة تلك الأخبار.
فالحمل على التقيّة متعيّن ، لكون تلك الأخبار موافقة لطريقة الشيعة ودأبهم ، وكون الصحيحة وما وافقها موافقة لطريقة أهل السنّة.
والتوجيه لورود (٧) نهيين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أحدهما على الكراهة ـ وهو
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٦١ ، وفيه : ( بعيد من غير سؤال ).
(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٤٥ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١١٧ الحديث ٣٠١٢٠.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٦١.
(٤) أي : نهيه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن لحوم الحمير يوم خيبر ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٣ الحديث ٣٠١٣٦.
(٥) كذا في كافّة النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( ظهورها ) أو : ( فناء الظهور ) ، أي ظهور الدوابّ.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٦١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢١ الحديث ٣٠١٣١.
(٧) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( بورود ).
المتعلّق بنفس اللحوم ـ والآخر بإفناء الظهور ، فيه ما فيه.
قوله : وبالجملة ، الاجتناب عن الكلّ حسن ، وعنهما أحسن ، إلّا مع الاضطرار فيختار الأخفّ على الطبع .. إلى آخره (١).
في « بداية » الحرّ رحمهالله روى أنّه نهى النبي عن لحوم الحمير الأهليّة (٢) ، وليس بالوحشيّة بأس.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام النهي عن أكل الفحل وقت اغتلامه (٣).
وقال عليهالسلام : « لا بأس بلحوم البخت ، وشرب ألبانها ، وأكل لحومها ، وأكل الحمام المسرول » (٤).
وقال عليهالسلام : « لا آكل لحوم البخاتي ، ولا آمر بأكلها » (٥).
وروي : « من تمام [ حبّ ] الإسلام حبّ لحم الجزور » (٦).
قوله : والظاهر أنّ المراد بالمخلب : هو الظفر ، وقد يوجدان معا في السبع ، كالسنّور والأسد .. إلى آخره (٧).
يمكن أن يكون المراد أنّه لم يخرج بعد نابه أو سقط ، ويحتمل أن يكون بعض السباع يفترس بافتراسه من دون ناب ، فتأمّل!
قوله : وحصر المحرّمات دليل حلّ أكثر الأشياء ، خصوصا الأرنب ، إلّا أن
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٦٣.
(٢) بداية الهداية : ٢ ـ ٣١٥.
(٣) الكافي : ٦ ـ ٢٥٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨٧ الحديث ٣٠٣٠٧.
(٤) الكافي : ٦ ـ ٣١١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٨٩ الحديث ٣٠٣١٢.
(٥) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٤٨ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٩٠ الحديث ٣٠٣١٤.
(٦) المحاسن للبرقي : ٢ ـ ٢٦٦ الحديث ١٨٤٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٩٠ الحديث ٣٠٣١٥.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٦٦.
يثبت التحريم بدليل شرعي ، وليس بواضح .. إلى آخره (١).
فالحمل على التقيّة متعيّن ، لحلّيته عند العامّة ، بل حلّية جميع ما ذكر عند بعض منهم (٢).
في الطيور
قوله : وأنّ المذاهب في الغراب ثلاثة .. إلى آخره (٣).
بل أربعة.
قوله : فإنّ المسألة مشكلة ، وأيضا ما وجدت دليلا بخصوصه على تحريم المعدودات .. إلى آخره (٤).
لا إشكال في الحرمة ، بعد صحّة السند ، وعلوّ (٥) في الجملة ، وموافقته لأخبار أخر (٦) ، وعدم معارض أصلا ، لما عرفت من أنّ مثل زرارة (٧) ليس بحجّة من وجوه متعدّدة ، كلّ وجه منها مستقلّ ، فضلا عن المجموع ، بل ربّما كان هذه الرواية (٨) تؤيّد كون الغراب مثل الجرّي وغيره ممّا هو حرام عند الشيعة ، مع أنّ
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧١.
(٢) المجموع شرح المهذّب : ٩ ـ ١٧ ، بداية المجتهد : ١ ـ ٤٨٩.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧١.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧٣.
(٥) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( وعلوّه ).
(٦) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٥ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
(٧) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( مثل رواية زرارة ).
(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧١ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١٨ الحديث ٧٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٥ الحديث ٣٠١٤٠.
أكثر الغربان من سباع الطيور ، ولا تأمّل في حرمة السباع ، لا من جهة الأدلّة ، لصحّتها وكثرتها ، ولا من جهة الفتاوي ، لما عرفت.
وأيضا ، بعض منها من الخبائث ، وبعض منها صفيفه أكثر ، مع عدم التأمّل في حرمته حرمة الخبيث أيضا.
ومن هذا ظهر حال الموثّق (١) أيضا ، مع أنّ الموثّق وغير الصحيح كيف يعارض الصحيح؟ سيّما مع ما في الصحيح من المقوّيات ، وفي غير الصحيح من المفاسد.
هذا ، مع أنّ القائل بالكراهة مطلقا (٢) رجع عن رأيه كما لا يخفى ، بل أفتى بعد الرجوع بالحرمة مطلقا (٣) ، مع أنّه تأمّل بعض المحقّقين في كون ما يختاره في الكتابين رأيه (٤).
[ و ] يعضد تأمّله أنّه كثيرا يذكر ما هو ظاهر في كونه مختاره ، ومع ذلك ينسب ذلك في « الخلاف » وغيره من كتبه (٥) إلى العامّة خاصّة ، ويذكر أنّ الشيعة على خلافه.
قوله : وإنّما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا مفصّلا (٦) وحرّم الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) الظاهر أنّ المراد منه : رواية غياث بن إبراهيم : مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢٥ الحديث ٣٠١٤١.
(٢) أي الشيخ الطوسي. لاحظ! تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١٨ ذيل الحديث ٧٢ ، الاستبصار : ٤ ـ ٦٦ ذيل الحديث ٢٣٨.
(٣) الخلاف : ٣ ـ ٢٦٧ المسألة ١٥.
(٤) العبارة ساقطة في ب ، ج ، ومرتكبة جدّا في النسخ الأخرى ، وما أثبتناه لعلّه هو الصواب ، وهو الأقرب إلى رسم الكلمات في النسخ الخطّية.
(٥) في النسخ : ( وغير من كثير ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٦) كذا ، وفي المصادر : ( تفصيلا ).
المسوخ جميعا ، فكل الآن من طير البرّ ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذو مخلب ، وهو حرام ، والصفيف كما ترى بطير البازي (١) والحدأة والصقر وما أشبه ذلك ، وكلّ ما دفّ فهو حلال ، والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه ، وكلّ طير مجهول .. إلى آخره (٢).
لعلّ المراد من هذا الكلام إظهار أنّ الصفيف لا يلزم أن يكون خالصا عن الدفّ ، بل ما يكون الغالب هو الصفّ ، مع أنّه قلّما يوجد الصفيف الخالص ، بل ربّما لا يوجد أصلا ، فهذا قرينة أخرى على إرادة الغلبة ، فاتّفق الأخبار والفتاوي (٣) ، فتأمّل!
قوله : واعلم أنّ رواية ابن بكير (٤) صريحة في أنّه يكفي للتحليل أحدها ، فالظاهر أنّها لا تجتمع مع المحرّم ، ورواية مسعدة (٥) تدلّ على أنّ القانصة وحدها كافية ، والظاهر أنّ أختيها كذلك ، لكن شرط عدم اجتماعها مع علامة التحريم ـ وهي المخلب ـ فيدلّ على إمكان الاجتماع ، مع تغليب علامة التحريم .. إلى آخره (٦).
بل ربّما يظهر ذلك من رواية سماعة ، حيث قال عليهالسلام : أسباب الحرمة على
__________________
(١) كذا ، وفي المصادر : ( والصفيف كما يطير البازي ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧٦ ، وهي قطعة من رواية سماعة بن مهران : الكافي : ٦ ـ ٢٤٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١٦ الحديث ٦٥ ، مع تفاوت يسير في الألفاظ بين المصادر.
(٣) في النسخ ( الأخبار في الفتاوي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٤) في النسخ : ( رواية أبي بكر ) ، وما أثبتناه من المصادر ، الكافي : ٦ ـ ٢٤٨ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٥١ الحديث ٣٠٢١٥.
(٥) الكافي : ٦ ـ ٢٤٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٥١ الحديث ٣٠٢١٤.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٧٧.
سبيل الكلّية ـ هي : الناب ، والمخلب ، وكونه سبعا ، وكونه مسخا ، وفرّع على القواعد الكلّية المذكورة قوله عليهالسلام : « فكل الآن الطير من طير البرّ ما كان له حوصلة ، وطير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان » (١).
يعني لمّا كان كلّ هذه الأصناف محرّمة ، فلا يحلّ أكل طير ما لم يكن خالصا عن الأمور المذكورة ، ولم يكن خالصا ما لم يكن له حوصلة في البرّي ، وقانصة في المائي ، ولذا لو كان له معدة كمعدة الإنسان يكون مسخا أو سبعا ، وكلمة الفاء تفريع على ما تقدّم ، وقوله : « الآن » إشارة إلى وقت عدم التحقّق الحقيقي والتشخيص الواقعي في معرفة الأشخاص من الكلّيات المذكورة ، والتمييز بينها (٢).
ولعلّ المراد أنّ الله تعالى جعل في البرّي عوض معدة الإنسان أو السباع أيضا الحوصلة ، فلا ينفكّ البرّي الحلال عنها ، وفي المائي القانصة ، فلا ينفكّ المائي الحلال عنها ، وإن كان في الأكثر منهما اجتمع العوضان.
وأمّا الصيصية ، فلعلّها لا تنفكّ عن أحد العوضين غالبا ، فلذا لم يتعرّض لذكرها في غير هذه الرواية أيضا ، وإن كان ربّما تنفع معرفة الصيصية أيضا.
وبهذا ظهر الجمع بين الأخبار ، بعد ما يجعل طير الماء في قوله : « فطير الماء » ـ في رواية زرارة ـ الطير الّذي يؤتى به مذبوحا ، بملاحظة صدر هذه الرواية إلى هذا القول ، وأنّ الغالب في البلدان عدم المعرفة به إلّا في صورة الإتيان
__________________
(١) مرّت الإشارة إليها.
(٢) في د ، ه ـ : ( والتخيير بينهما ).
به مذبوحا ، فتأمّل!
قوله : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن قتل الستّة : النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطّاف » (١) ، فيها دلالة على كراهة الستّة ، ولعلّ فيه أنّ الأمر يكون بمعنى الجواز ، ويفهم أنّ المراد بالنهي عن القتل النهي عن الأكل ، حيث رمى به بعد أن كان مذبوحا ثمّ نقل النهي عن القتل ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).
وظاهره التحريم ـ كما قال بعض الفقهاء به (٣) ـ إلّا أنّ ضعفه يمنع عن ثبوته.
قوله : في « الكافي » أنّه رفع إلى داود الرقّي أو غيره ، وزاد في آخرها بعد قوله « نهى عن قتل الستّة » منها : الخطّاف ، وقال : « إنّ دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمّد عليهمالسلام ، وتسبيحه قراءة ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٤) ، ألا ترونه يقول ( وَلَا الضّالِّينَ ) .. إلى آخره (٥).
وورد أنّ « خرء الخطّاف لا بأس به ، وهو فيما يحلّ أكله (٦) ، لكن كره أكله ، لأنّه استجار بك » (٧) ، وفي آخر « لا تأكلوا القبّرة (٨) ولا تسبّوها ، ولا تعطوها
__________________
(١) قطعة من رواية الحسن بن داود الرقّي : تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٢٠ الحديث ٧٨ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٩٢ الحديث ٢٩٨٢٧.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٨١.
(٣) لاحظ! مسالك الأفهام : ٢ ـ ١٩٣.
(٤) الفاتحة (١) : ٢.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٨٢ ، الكافي : ٦ ـ ٢٢٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٩٢ الحديث ٢٩٨٢٦.
(٦) كذا ، وفي المصدر : ( وهو ممّا يحلّ أكله ).
(٧) وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٩٣ الحديث ٢٩٨٢٩.
(٨) كذا ، وفي المصدر : ( القنبرة ).
الصبيان يلعبون بها ، فإنّها كثيرة التسبيح لله تعالى » (١).
في حيوان البحر
قوله : وقد ادّعي إجماع المسلمين على حلّ السمك الّذي له فلس (٢) ، وإجماع الأصحاب على تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر ، وهو غير ظاهر .. إلى آخره (٣).
قد مرّ روايات في الخزّ أنّه : « إن كان له ناب فلا تأكله ، وإلّا فكله » (٤) ، وفي الخبر « إنّه كلب الماء » (٥) ، و « إنّه سبع يأوي في الماء » (٦).
ويمكن الحمل على أنّه عليهالسلام كان يدري أنّ له نابا ، ويشهد على ذلك حكمه عليهالسلام بأنّه سبع ، وأنّه كلب ، فقوله : « أنظر إن كان له ناب فلا تأكله ، وإن لم يكن فكل » إرشاد للراوي إلى ظهور حرمته من حيث أنّه حرمة ذي الناب ما كانت مخفيّة عليه ، فتأمّل!
قوله : [ خرج ما أجمع على تحريمه بحيث ] لا يمكن تأويله بالنصّ والإجماع ، مثل الجرّي ـ إن صحّ ما قيل فيه ـ وبقي الباقي .. إلى آخره (٧).
نقل ابن المفلح رحمهالله عن ابن البرّاج رحمهالله أنّه قائل
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٢٢٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٩٥ الحديث ٢٩٨٣٥.
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( الّذي فيه فلس ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٨٧.
(٤) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٥٠ الحديث ٢٠٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٩١ الحديث ٣٠٣١٦.
(٥) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٥٠ الحديث ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٩١ الحديث ٣٠٣١٨.
(٦) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٥٠ ذيل الحديث ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٩١ الحديث ٣٠٣١٧.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٨٩.
بكراهة الجرّي (١).
في المائعات
قوله : وأنّ النبيذ منه في الجملة ، ومنه حرام ، ومنه حلال ، وبيّنه ، وأن لا تقيّة في بعض الأمور يحتمل ، لأنّه معلوم بحيث لا يمكن التقيّة ، أو لوجود قائل بتحريمه منهم أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).
وأنّ من الإطلاق كانوا يفهمون الحرام ، وأنّ بزيادة المكث عمّا ذكر ربّما يعرضه السكر ، وأنّه حينئذ لا يشرب من خوف عروضه ، والّذي بيّنه أنّ الحلال في صورة خاصّة ، ولعلّه لا يلائم رأى الشارح من حلّية التمري والزبيبي ، فتأمّل!
قوله : فلو غلى ماء العنب في حبّه لم يصدق عليه أنّه عصير غلى ، ففي تحريمه تأمّل ، ولكن صرّحوا به ، فتأمّل. والأصل والعمومات وحصر المحرّمات دليل التحليل حتّى يعلم الناقل (٣).
هذا مبنيّ على كون العصير مستعملا في معناه اللغوي ، وهو لا يرضى به ، بل يبني على استعماله في معنى جديد منقول عنه.
وعلى هذا ، لا وجه للتأمّل أصلا ، لما قرّر في الأصول من أنّ التسمية لوجود معنى لا يقتضي الاطّراد ، والعلاقة في المنقول غير ملحوظة في الاستعمال ، ألا ترى أنّ الفرس ـ مثلا ـ دابّة وإن لم يدبّ ، والزجاج قارورة وإن لم يكن مقرّا.
__________________
(١) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام للصيمري : غير مطبوع ، وما نقله عن ابن البرّاج في : المهذّب : ٢ ـ ٤٣٩.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٩٣.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٠.
إلى غير ذلك من المنقولات ، وعباراتهم تنادي بأنّ العصير هو ماء العنب وقع عصر أم لا! ولذا لا يحكمون بحرمة غير العصير ، ويستشكلون في التمر والزبيب إذا غليا بمساواتهما له في المعنى ، فلو كان منحصرا في الخارج بالعصير لكان مبدأ العصر مأخوذا فيه ، فلا يتحقّق المساواة له ، بل المساواة لغير المعصور ، وهو ليس بحرام بالنصّ (١) ، فلا يتحقّق القياس.
مع أنّ المستشكلين لم يتعرّضوا لحكم المطبوخ أصلا ، بل حكموا بحرمة العصير وقاسوا عليه التمر والزبيب ، ثمّ حكموا بالحلّية بناء على عدم حجيّة القياس (٢).
وأيضا ، يلزمهم على هذا ، الاستشكال في العنب المطبوخ أيضا ، ثمّ الحكم بالحلّية ، لعين ما ارتكبوا في التمر والزبيب ، وهم لم يتعرّضوا أصلا ، مقتصرين الاستشكال في التمر والزبيب ، بل ومصرّحين بحلّية غيرهما من غير إشكال ، والمتعرّض له حاكم بالحرمة من غير إشكال ، إلّا الشهيد الثاني رحمهالله (٣) ، لكنّه غفلة منه رحمهالله ـ مثل الشارح ـ خلط بين اللغوي والاصطلاحي ، وذهولا عن مناقضة استشكاله لما استدلّ به على الاصطلاح ، وما بنى عليه من قصر التحريم في العنبي.
على أنّه يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الحرمة باعتبار كونه عنبا من دون مدخليّة العصر ، منها : ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر (٤).
فظهر أنّه على القول ببقاء معناه العصير على المعنى اللغوي أيضا لا إشكال
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٢٨٢ الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة.
(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٣.
(٣) مسالك الأفهام : ٢ ـ ١٩٧.
(٤) الكافي : ٦ ـ ٣٩٣.
في الحرمة ، وذكر العصير بناء على أنّه بحسب العادة هكذا يطبخ ، فتدبّر!
قوله : وأنّ العصير بظاهر لغته تمام عن عصر العنب (١) .. إلى آخره (٢).
في « القاموس » : ( العنب ونحوه يعصره ، فهو معصور ، وعصير ) (٣).
قوله : وحصر المحرّمات ، مؤيّدا بالشهرة ، دليل الحلّ حتّى يعلم كون المراد بالعصير ما يعمّ ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).
هذا مخالف للقاعدة المقرّرة الشرعيّة في جميع أبواب الفقه ، المسلّمة بالنسبة إلى موضوعات الأحكام الشرعيّة ـ مثل مباحث الألفاظ وغيرها ـ من أنّ الأصل العدم ، والأصل البقاء حتّى يثبت خلافه ، وأنّه لا ينقض اليقين إلّا بيقين ، ولم نر من
الشارح مخالفتها إلّا في هذا الموضع ، فالأصل والعمومات لا تعارض النصوص ، والشهرة ليست بحجّة مع أنّ فيها تأمّلا ، لأنّ فقهاءنا بأجمعهم حكموا بتحريم العصير ، وكلامهم بمقتضى القاعدة يفيد العموم ، كالحديث (٥) ، ولم يذكر عباراتهم حتّى نستعلم.
نعم ، كلام الفاضلين وبعض من تبعهما ظاهر في الاختصاص (٦) ، لكن بهذا القدر لا يثبت ، وسيجيء تمام الكلام.
قوله : لا يستلزم اشتراكه معها في النجاسة ، وهو ظاهر ، وعلى القول بنجاسته قالوا : يطهر بذهاب ثلثيه ، وصيرورته دبسا (٧) أو خلّا ، وأيضا قالوا :
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( عامّ عن عصير العنب ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٠.
(٣) القاموس المحيط : ٢ ـ ٩٣.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٠.
(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٢٨٢ الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة.
(٦) شرائع الإسلام : ٣ ـ ٢٢٥ ، إرشاد الأذهان : ٢ ـ ١١١.
(٧) كذا ، وفي المصدر : ( أو صيرورته دبسا ).
إذا ألقي فيه شيء حال غليانه (١) أو قبله ثمّ نجس بالغليان نجس ذلك أيضا ، وإذا طهر يطهر ذلك أيضا معه ، ولا يمنعه من الطهارة بما يطهّره ، كما إذا كان خمرا ألقي فيها شيء ثمّ صار خلّا ، وفي ذلك كلّه تأمّل ، إذ ما نجد دليلا على ذلك إلّا ما تقدّم ممّا يدلّ على الحلّ بذهاب ثلثيه ، وهو مستلزم للطهارة ، ولكن ما علم طهارته مع وقوع شيء فيه صريحا ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).
اعلم أنّ الظاهر من بعض الأخبار أنّ العنب بالغليان يصير خمرا ويدخل في حدّ الخمريّة ، مثل ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر عن أبي الربيع الشامي ، قال : « سألت الصادق عليهالسلام عن أصل الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها؟ ومتى اتّخذ الخمر؟ فقال : إنّ آدم عليهالسلام لمّا هبط من الجنّة اشتهى من ثمارها. إلى أن قال : فأخذ روح القدس ضغثا من نار [ و ] رمى عليهما ، والعنب في أغصانهما ، حتّى ظنّ آدم أنّه لم يبق منهما شيء ، قال : فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب ثلثاهما وبقي الثلث ، فقال الروح : ما ذهب [ منهما ] فحظّ إبليس ، وما بقي فلك » (٣).
وروى أخرى عنه عليهالسلام مثله ، ثمّ روى عن إبراهيم ، عنه عليهالسلام هذه الحكاية لبيان أصل تحريم الخمر ، إلّا أنّ فيها أنّ إبليس مكر بحوّاء « فأخذت عنقودا من عنب فأعطته ، فمصّه ولم يأكل منه. فلمّا ذهب يعضّه (٤) جذبته [ حوّاء ] من فيه ، فأوحى الله تعالى إليه (٥) : إنّ العنب قد مصّه [ عدوّي وعدوّك ] إبليس ، وقد
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( حين غليانه ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٣) الكافي : ٦ ـ ٣٩٣ الحديث ١.
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( يعضّ عليه ).
(٥) كذا ، وفي المصدر : ( إلى آدم ).
حرّمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس » (١) الحديث.
ولا يخفى أنّه ما حرّم كلّ عصيرة ، بل ما خالطه نفس إبليس ، وهو الثلثان على ما صرّح به في الخبرين السابقين ، وكذا في خبرين آخرين رواهما بعده (٢) ، ويؤيّده قوله : « مصّه ولم يأكل » ، وأنّ هذه الحكاية مسوقة لما سيق تلك الحكايات له ، فتأمّل.
وقول الكليني : ( باب أصل تحريم الخمر ) لا شكّ في أنّ المراد منه الخمر الواقعي ، موافقا لما هو المستفاد من الروايتين ، ووافقه على ذلك الصدوق.
قال في آخر « الفقيه » في باب حدّ شرب الخمر : ( قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تمسّه النار فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ) (٣) ، ولم يذكر الصدوق حرمة العصير في « الفقيه » أصلا ، إلّا في هذا الموضع بهذا العنوان.
فظهر أنّهم يعتقدون دخول العصير في حدّ الخمر بمجرّد الغليان ، فلعلّ غيرهم من القدماء أيضا على هذه العقيدة ، وبها حكموا بالنجاسة ، لأنّ الخمر عند غير الصدوق نجس ، وكذا كلّ مسكر ، والظاهر منهم ومن النصّ (٤) أيضا أنّه يدخل في حدّ المسكر أيضا ، وهو أيضا عندهم نجس (٥).
فإن قلت : ليس بمسكر بالوجدان ، ولا يطلق الخمر عليه عرفا ولغة حتّى
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٣٩٣ الحديث ٢.
(٢) الكافي : ٦ ـ ٣٩٤ الحديثان ٣ و ٤.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٤٠ ذيل الحديث ١٣١ مع تباين يسير جدّا.
(٤) لاحظ! الكافي : ٦ ـ ٤١٩ باب العصير.
(٥) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ ـ ٥٨.
يحكم بالنجاسة من هذه الجهة ، كما حكموا في الفقاع وإن لم يسكر (١).
قلت : من المقرّر أنّ الرجوع إلى العرف واللغة حيث لا يظهر اصطلاح من الشرع ، وقد ظهر ذلك من كلام الفقهاء والأخبار ، على قياس ما قلتم في اختصاص العصير بالعنبي ، وبعروض الاجتهادات والشبهات ومرور الأيّام خفي على المتأخّرين ، كما خفي الاختصاص على الشارح وأمثاله وعلينا ، بل مثل الوضوء والصلاة وقع النزاع في كونها حقائق شرعيّة أم لا ، حتّى أنّ معظم المحقّقين اختاروا العدم ، فما ظنّك بما نحن فيه؟! مع أنّ الكليني والصدوقين في غاية القرب من عهد الشارع ، بل هما من المعاصرين ، ومع ذلك قلّما وقع منهم اجتهادات.
سلّمنا عدم ثبوت الاصطلاح ، لكن الظاهر من كلامهم ومن الأخبار الدخول في حدّ السكر ، وما يحكم الوجدان بانتفائه هو السكر بالمعنى الّذي عرّفه بعض المتأخّرين ، وهو : أن لا يعرف السماء من الأرض ، والطول من العرض ، لكن قصر السكر في هذا المعنى مخالف للعرف ، واللغة ، والحديث ، والاعتبار ، إذ ربّما لا يختلّ عقل بعض المعتادين للشرب إلّا شيئا يسيرا وكلماتهم مضبوطة ، وحركاتهم منتظمة ، قلّما يصدر منهم شائبة اختلال ، ومع ذلك إذا صدر يقولون : هذا من سكره.
وأيضا ، الخمور سكرها متفاوتة شدّة وضعفا ، بل بعض الخمور الرديئة ـ عند الشاربين ـ له سكر في غاية الضعف.
وقال محقّق في اللغة : ( في ترتيب السكر : إذا شرب الإنسان فهو نشوان ، وإذا دبّ فيه الشراب فهو ثمل ، وإذا ذهب من عقله فهو سكران ، فإذا زاد منه
__________________
(١) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ ـ ٥٨.