حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

الواردة في إمام الجماعة وعدالته (١).

قوله : ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات .. » (٢) .. إلى آخره (٣).

المكتفي بالظاهر إنّما يكتفي بناء على أنّ الظاهر من المسلم عدم الفسق ـ على ما سيجي‌ء ـ وهذا المعنى في النساء غير متحقّق ، على ما يظهر من القرآن (٤) والأخبار الكثيرة (٥) ، إلّا أن يقال : إنّه قول بالفصل ، لأنّهم يكتفون مطلقا ، لكن لا بدّ من ملاحظة كلامهم حتّى يتحقّق ، مع أنّ الأصل غير ظاهر في الظاهر.

قوله : [ وجه الدلالة ، أنّه لو لم يكن شرطا ] لزم أن يكون القيد (٦) لغوا ، فتأمّل فيه .. إلى آخره (٧).

وجهه ، أنّ العدالة شرط بالاتّفاق ، وإنّما النزاع في المعنى ، ومع ذلك القيد في كلام الراوي ، ومع ذلك يمكن أن يكون اعتبار العدالة على سبيل الاستحباب أيضا.

قوله : وأيضا لا شكّ أنّ الفسق مانع من قبول الشهادة بالعقل والنقل ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ ـ ٣١٣ الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٤٢ الحديث ٥٩٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٨ الحديث ٣٤٠٥١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٠.

(٤) لاحظ! قوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ). البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٥) لاحظ : وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٥٠ الباب ٢٤ من أبواب كتاب الشهادات.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( التقييد ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٠.

٧٦١

كتابا (١) وسنّة ـ وهي أخبار كثيرة (٢) ـ وإجماعا .. إلى آخره (٣).

إن أراد الفسق الظاهر ، فمسلّم ولا يجدي نفعا ، ويلغو إذن قوله : ولا بدّ .. إلى آخره (٤).

وإن أراد ما هو بحسب نفس الأمر ـ كما هو الظاهر والمطلوب ـ فلا يخفى ما في أدلّته ، أمّا الإجماع فظاهر ، وأمّا الآية فمع أنّ المفهوم مفهوم وصف ، ومع ذلك لا تدلّ على عدم القبول ، بل على التثبّت والقبول في الجملة ، فتأمّل! ومع ذلك ، نمنع دلالتها على الفاسق بحسب نفس الأمر ، وإن كان ذلك مقتضى اللغة ، لأنّ المتبادر عرفا وشرعا من قول : جاء الفاسق ، وذهب الفاسق ، وقال الفاسق ، وغير ذلك : من ظهر فسقه ، لا من احتمل وإن لم يظهر منه أصلا ، بل وظهر خلافه ، وإن لم يثبت بالعلم أو الظنّ الشرعي عدالته ، ويؤيّده ملاحظة شأن نزول الآية (٥) ، وأنّه يلزم التخصيص وارتكاب خلاف الظاهر كثيرا ، بعد المعارضة لأدلّة كثيرة لو حملنا على المعنى اللغوي.

مع أنّ المفهوم ـ حينئذ ـ أنّه إذا لم يكن فاسقا في نفس الأمر وجب القبول ، وإن لم يكن كذلك شرعا ، بل كان خلاف ذلك.

وبالجملة ، حمله على نفس الأمر من دون ملاحظة الشرع واعتباره فيه ما فيه ، والحمل على الشرعي أو بملاحظة الشرع في المفهوم دون المنطوق أيضا فيه ما لا يخفى.

__________________

(١) لاحظ! آية النبإ : الحجرات (٤٩) : ٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٧٣ الباب ٣٠ من أبواب كتاب الشهادات.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٣.

(٥) لاحظ! مجمع البيان : ٦ ـ الجزء السادس والعشرون ـ ٨٧.

٧٦٢

هذا ، مضافا إلى أنّ الشرع منع من النسبة إلى الفسق بمجرّد الاحتمال ، وأمر بالتعزير (١) ، بل أمر بالبناء على الصحّة والسداد ، والحكم بالحسن ، وتكذيب السمع والبصر ما يجد إليه سبيلا (٢) ، وادّعاء الشرع وخلاف الشرع بمعنى دون معنى في مقام الاستدلال ، فيه أيضا ما فيه.

على أنّا لو لم نقل بظهوره في الظاهر ، فدعوى ظهوره فيما هو بحسب نفس الأمر ممنوع ، سيّما بعد ملاحظة ما أشير إليه.

وممّا ذكر ظهر حال السنّة أيضا ، بل لعلّه يظهر للمتتبّع أنّهم ما كانوا يطلقون لفظ الفاسق بإرادة احتمال الصدور في نفس الأمر (٣) ، بل الأخبار متواترة في عدم ضرر الاحتمال في المقام وأمثاله (٤) ، ولا يوجد خبر معارض ، بل الكلّ متّفقة ، بعضها يدلّ صريحا وبعضها ظاهرا.

سلّمنا ، لكن ورد أخبار صريحة أو ظاهرة في الاكتفاء بعدم ظهور الفسق ، مثل قوله عليه‌السلام : « لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم [ هم ] المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد [ عليه ] بذلك شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا » (٥).

رواه الصدوق في « أماليه » بسنده ، عن علقمة ، قال : « قلت للصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) لاحظ! الروضة البهيّة : ٩ ـ ١٦٨.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٧٢ ـ ٢١٤ الحديث ١١.

(٣) في ب ، ج : ( وفي نفس الأمر ).

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٣ الأحاديث ٣٤٠٣٤ و ٣٤٠٣٤ و ٣٤٠٤٣ و ٣٤٠٤٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٥ الحديث ٣٤٠٤٤ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٧٦٣

أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل ، قال عليه‌السلام (١) : كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته ، قلت (٢) : تقبل شهادة المقترف للذنوب (٣)؟ فقال (٤) : لو لم تقبل. إلى آخر ما ذكر ـ ثمّ قال عليه‌السلام : ـ ومن اغتابه كان خارجا (٥) عن ولاية الله عزوجل ، داخلا (٦) في ولاية الشيطان » (٧).

ومثل : قوله عليه‌السلام في شهادة اللاعب بالحمام : « لا بأس ، إذا كان لا يعرف بفسق » (٨).

وروي في قوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (٩) قال : « .. ليكونوا من المسلمين منكم ، فإنّ الله عزوجل إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم ، وجعل ذلك من الشرف العاجل .. إلى آخره » (١٠) فتأمّل! وما ذكره الشارح رحمه‌الله في هذا الشرح (١١).

وأمّا المطلقات والعمومات ، فأكثر من أن تحصى :

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فقال : يا علقمة ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( قال : فقلت ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( مقترف للذنوب ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فقال : يا علقمة ).

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ومن اغتابه بما فيه فهو خارج ).

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( داخل ).

(٧) أمالي الصدوق : ٩١ الحديث ٣.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٣٠ الحديث ٨٨ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٤ الحديث ٣٤٠٣٧.

(٩) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(١٠) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٥٦ الحديث ٣٧٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٩ الحديث ٣٤٠٥٣.

(١١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٣ ـ ٦٥.

٧٦٤

منها : ما ورد في الأمر بأداء الشهادة وتحمّلها (١) ، ويؤيّده الأخبار الواردة في أنّ قاذف المحصنات بمجرّد التوبة تقبل شهادته (٢) ، وغير ذلك ، مثل أنّ شهود الزور بمجرّد التوبة تقبل شهادتهم (٣).

وأيضا ، ربّما يظهر من بعض قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يكتفي ، بل وربّما كان ذلك من غيره من المعصومين عليه‌السلام (٤).

هذا ، مضافا إلى ما سيذكر هو رحمه‌الله من الأخبار (٥).

فإن لم يتحقّق العلم ولا الظنّ الشرعي ممّا ذكر لتعيّن العمل بالملكة ، لأنّها إجماعيّة ، وهو خلاف ما اختاره ، ولعلّه لما ذكر أشار بالتأمّل ، فتأمّل! فإنّ الأظهر أنّ الفاسق ـ مثل الزاني ـ اسم لمن صدر عنه المبدأ واقعا ، ومنع الشارع إطلاقه على من لم يثبت لا يدلّ على كونه موضوعا لمن ظهر فسقه وثبت شرعا ، فإنّه قيد أجنبي ، ولهذا ، إن رأوا زانيا يزني أو فاسقا بفسق لا يمكنهم القول بذلك عند من لم يعلم ، فمقتضى ذلك إمّا اعتبار الملكة أو حسن الظاهر ، كما لا يخفى.

قوله : يمكن تقييده بما تقدّم .. إلى آخره (٦).

وخصوصا بعد قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (٧) وقوله تعالى :

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٠٩ الباب ١ من أبواب كتاب الشهادات.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٨٣ الباب ٣٦ من أبواب كتاب الشهادات.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٣٣ الباب ١٥ من أبواب كتاب الشهادات.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٨٥ الباب ٣٧ من أبواب كتاب الشهادات.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٤.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٣.

(٧) البقرة ٢ : ٢٨٢.

٧٦٥

( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (١) والأخبار الّتي كادت تبلغ حدّ التواتر (٢).

قوله : [ قد استثنى المعروف بالفسق ] ، فلا بدّ من العلم أو الظنّ بعدم ذلك ، وليس بمعلوم حصوله بدون العدالة (٣) ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

لا يخفى ما فيه ، لأنّه ضدّ مدلول الخبر (٥). نعم ، يمكن أن يوجّه بأنّهم أربعة من المسلمين المعاشرين لهم ، المعروفين عندهم ، اثنان منهم عدّلا عند القاضي ، واثنان منهم وإن لم يعدّلا إلّا أنّهم لم يعرفوا منهما فسقا ، ولم يظهر لديهم ، وفي الحقيقة مرجع هذا إلى حسن الظاهر ، لأنّ مع المعاشرة فيهم والمعروفيّة عندهم لم يظهر منه فسق ، فتأمّل.

ويمكن توجيه ما دلّ ـ مثل هذا الخبر ـ على كفاية عدم ظهور الفسق بمثل ما ذكر ، فليلاحظ!

قوله : والاكتفاء بما يعلم من صحيحة ابن أبي يعفور (٦) ، بل الأقلّ ، لظهور حمل بعض ما فيها على المبالغة والتأكيد ، للإجماع وغيره. وأيضا ما أعرف (٧) دليل اعتبار المروءات في العدالة (٨) ، لعلّ لهم دليلا ما رأيناه ، فتأمّل .. إلى آخره (٩).

لا يخفى أنّها مع تضمّنها لما هو غير معتبر في العدالة بالإجماع ، والأخبار

__________________

(١) الطلاق (٦٥) : ٢.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩١ الباب ٤١ من أبواب كتاب الشهادات.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وليس معلوم حصوله من دون العدالة ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٦.

(٥) أي صحيحة حريز : وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٧ الحديث ٣٤٠٤٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٨ ـ ٥٩ ، وقد مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٧) كذا ، وفي المصدر : ( وأيضا ما نعرف ).

(٨) كذا ، وفي المصدر : ( المروءات المباحات في العدالة ).

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٦.

٧٦٦

الّتي كادت تبلغ التواتر (١) ـ لو لم نقل بالتواتر ـ ظاهرها وجوب الجماعة وحضورها ، وفيه ما فيه ، ومع ذلك وقع الاختلاف في متنها ، والاختلال في دلالتها.

مضافا إلى مخالفة ظاهرها لظواهر الأخبار الكثيرة جدّا ، وظاهر طريقة الرسول وعلي ـ صلّى الله عليهما وآلهما ـ ، بل وربّما كان غيرهما من الأئمّة عليهم‌السلام أيضا ، ومخالف للشريعة السمحة ، وموجب للضيق فيها والحرج وبطلان الحقوق ، لأنّ العدالة ممّا يعمّ بها البلوى ، ويكثر إليها الحاجة في الأمور الدنيويّة والأخرويّة في جميع الأوقات والأمكنة.

وما اعتبر فيها لها ممّا لا يكاد يتحقّق في كثير من الأمكنة ، بل ولا يتحقّق جزما ، وفي كثير من الأمكنة قلّ ما يتحقّق ، بل لا يوجد إلّا نادرا ، كما سيعترف به (٢) ، سيّما مع اعتبار الإيمان ، فإنّ المؤمن بعد حكاية السّقيفة إلى زمان الباقر عليه‌السلام ـ بل والصادق عليه‌السلام ـ كان في غاية القلّة والندرة ، وبعده كان أكثر الأمكنة خالية منه ، وفي كثير منها كان الشيعة فيها قليلين.

فيمكن الجمع بين الرواية (٣) وبين غيرها بحملها على العدل الّذي تقبل شهادته البتّة ، وعلى أيّ حال ، قوله : لهم وعليهم ، وقوله يعني كون الرجل معروفا بالعدالة بين المسلمين ، متلقّى بالقبول بينهم ، كما يشهد عليه قوله : « بين المسلمين » ، ويشير إليه قوله عليه‌السلام : « لهم وعليهم » ، وقوله : « أن تعرفوه ـ إلى قوله ـ باجتناب الكبائر » ، وقوله عليه‌السلام : « أن يكون ساترا لجميع عيوبه ، حتّى يحرم.

تفتيش ما وراء ذلك » ، مضافا إلى أنّه لو فتّش أحد ارتكب الحرام ، فلم يقبل قوله

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩١ الباب ٤١ من أبواب كتاب الشهادات.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٧.

(٣) أي رواية عبد الله بن أبي يعفور.

٧٦٧

بفسقه ، ويعضده قوله عليه‌السلام : « ويجب عليهم تزكيته ، وتحرم (١) عليهم غيبته » (٢).

وأمّا لو لم تكن العدالة بهذه المثابة ، بأن لا يكون ساترا لجميع عيوبه ، متعاهد الجماعة ، بل يكون حسن الظاهر ولم يظهر فسقه كما هو مذكور في أخبار أخر ، أو ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، كما يظهر من أخر ، فهو غير مأمون من أن يظهر فسقه ـ بل وبحسب العادة يظهر ـ وغير مأمون من أن يبلغ القاضي ، بل وربّما يبلغه في مقام المخاصمة أو تبعيدا للقاضي عن الخطأ والخطر ، فشهادة مثله ليست بمقبولة إلّا عند الجاهل بحاله ما دام جاهلا به ، لا أنّه لا يقبل مطلقا.

أو يكون المراد العدالة الكاملة ، نظير ما ورد من الأخبار في تعريف الإيمان الّذي هو شرط في العدالة ، مع أنّه في كثير منها من المبالغات ما لا يخفى (٣) ، ويشيّده أنّها مقولة بالتشكيك ، كما هو مستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء ، حيث جعل الأعدليّة من المرجّحات.

أو يكون المراد السّؤال عن طريق معروفيّة عدالة الرجل بين المسلمين ، بأن يكون جماعتهم يعرفونه بالعدالة ، ويصير مسلّم العدالة بينهم ، مقبولا لهم حتّى يحكم بقوله على أيّ واحد يكون ، وهذا لا ينافي جواز كون الرجل عدلا عند بعض دون بعض.

هذا ، وربّما استدلّ بهذه الصحيحة (٤) على اعتبار الملكة ، بناء على عدم تحقّق هذا السّتر عادة ، إلّا بها.

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وحرمت ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٩ ، وهي من رواية عبد الله ابن أبي يعفور ، وقد مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٧٥ ـ ٢٣ الأحاديث ٨٩ ـ ٩٧.

(٤) أي : رواية عبد الله ابن أبي يعفور.

٧٦٨

وفيه أنّ قوله : « يحرم تفتيش ما وراء ذلك .. إلى آخره » يأبى عن ذلك ، ومع ذلك يتحقّق لمن هو في أوائل البلوغ من دون ملكة ، وعدم قبول شهادته في غاية الغرابة والبعد عن الشرع ، وهذا من مبعدات القول بالملكة.

بل يظهر ممّا ذكرنا أنّ القول بها أردأ وأظهر فسادا من اعتبار ستر جميع العيوب بالنحو المذكور في الصحيحة.

وبالجملة ، هذا لا يدلّ على الملكة ، ولا على حسن الظاهر ، إذ لعلّه دون ما يظهر منها ، ومع ذلك يكفي عند القائل بها تحقّقها بالنسبة إلى القاضي خاصّة ، فلا يمنع من أن يظهر فسقه عند غيره ـ بل وعند كثير ـ ويجوز ثبوته عنده بشهادة العدلين ، بل والعدل الواحد في بعض المواضع ، ولا ينحصر في الشياع ، ويتحقّق فيه التعارض بين الجرح والتعديل وغير ذلك ، إلّا أنّ التوجيه ظاهر ، فتدبّر!

قوله : [ لا يدلّ على حصولها ] وهو مع اعتبار الملكية واضح .. إلى آخره (١)

لا يخفى ما فيه ، لأنّه مذهب مخالف لمذهبهم.

قوله : وظهور حال المسلم لا يقتضي حصولها ، على أنّه معارض بما تراه من أكثر المسلمين ، فإنّك إذا عاشرت الناس خصوصا في السّفر ، وبالمعاملة عرفت أنّ أكثرهم غير عدل ، وهذا لم يوجد (٢) إلّا نادرا .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ الظاهر منهم أنّ القاعدة الشرعيّة اقتضت البناء على أنّ المسلم ما فسق ، وحمل جميع أفعاله على الصحّة ، على ما يشير إليه تعليلاتهم ، فقوله : ( وذلك لا يقتضي .. إلى آخره ) (٤) فيه ، أنّ العدالة عندهم ليست إلّا نفس صدق

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٧.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( ولهذا لم يوجد ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٧.

٧٦٩

أنّه ما فسق شرعا ، لا أنّه لم يتحقّق الفسق في نفس الأمر.

ومقتضى صحيحة ابن أبي يعفور ، أنّ ظهور الفسق مضرّ لا نفسه ، وكذا الآية (١) ، على ما أشرنا إليه.

وبالجملة ، لا دليل على أنّ الفسق النفس الأمري مانع حتّى يحتاج إلى العلم أو الظنّ ، مع أنّه لو كان لاقتضى العلم لا الظنّ ، ولا يتحقّق العلم على مذهب من المذاهب.

فمع انتفاء العلم إمّا البناء على الظنّ أو على القاعدة الشرعيّة ، والظنّ نهى الشارع [ عن ] اعتباره والعمل به ، مضافا إلى أنّ الأصل عدم اعتباره. والقاعدة أمر الشارع باعتبارها وحثّ على مراعاتها وثبت حجّيتها ، فتأمّل! وهو رحمه‌الله بنى الأمر على أنّ العدالة ـ البتّة ـ أمر سوى عدم ظهور فسق المسلم ونسبته يورد عليهم ما يورد ، فالأولى الاعتراض بأنّ آية ( ذَوَيْ عَدْلٍ ) ، وبعض الأخبار تقتضي اشتراط العدالة (٢) ، وكونها مجرّد البناء شرعا على أنّه ما فسق غير معلوم.

أو يقال : مقتضى القاعدة النهي عن نسبته إلى الفسق ، لا البناء على أنّه ما فسق ، فتأمّل فيه.

قوله : وإطلاق الأصل على الظاهر .. إلى آخره (٣).

صرّح في « تمهيد القواعد » بأنّه أحد معاني الأصل (٤) ، والظاهر أنّه يطلق عليه.

__________________

(١) الطلاق (٦٥) : ٢.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩١ الباب ٤١ من أبواب كتاب الشهادات.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٩.

(٤) تمهيد القواعد : ٢.

٧٧٠

قوله : وثانيا : إنّك قد عرفت أنّ العدالة أمر زائد على ذلك ، ولا يطلق العدالة على مجرّد الإسلام مع عدم ظهور الفسق (١).

لا شكّ أنّ الإسلام هو القدر المشترك بين الفسق والعدالة ، وأنّهما خارجان عنه زائدان عليه ، وهو مسلّم عنده ، ولم يدّع أنّها تطلق عليه ولا على عدم ظهور الفسق ولا على المجموع من حيث المجموع ، بل ادّعى أنّها تطلق على ظهور عدم الفسق ، يعني أنّ حاله يحمل على القيام بالواجبات وترك المحرّمات.

وبالجملة ، الإسلام حقيقة في اللابشرط (٢) ، وكونه شرط شي‌ء أو بشرط لا شي‌ء أمران زائدان ، وادّعى أنّ الثاني منهما ـ الّذي عبّر عنه بمجرّد الإسلام ـ مستلزم للأوّل ـ الّذي يعبّر عنها بالعدالة ـ وإنّما لا ينفكّ أحدهما عن الآخر أبدا.

وقوله آخرا : سلّمنا أنّه زائد عن الإسلام (٣) ، مراده مجرّد الإسلام الّذي لا ينفكّ عن العدالة ، بالمعنى الّذي ادّعى أوّلا ، ومراده بالزائد هو الملكة ، كما صرّح به.

قوله : ولا يفهم ذلك من هذا اللفظ بوجه من الوجوه .. إلى آخره (٤).

لم يثبت بعد للعدالة معنى محقّقا بحسب اللغة أو العرف أو الشرع ، والفقهاء مختلفون ، ذاهبون إلى مذاهب ثلاثة ـ كما سيصرّح (٥) ـ وكلّ يدّعي مذهبه من دليل ، فكيف يدّعي عدم الفهم من هذا اللفظ بوجه من الوجوه ، مع أنّه أحد المذاهب ، وعليه أدلّة كثيرة؟! فتدبّر.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٩.

(٢) في ألف ، ب : ( حقيقة في الاشتراط ).

(٣) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧١.

٧٧١

قوله : ولم يعلم جواز الحكم بغيره ، فلا يضرّ منع الاشتراط ، بعد تسليم الوصف ، فتأمّل (١).

فيه ، أنّه رحمه‌الله استدلّ عليه بالمطلقات ، ولا شبهة في وجودها ، بل تحقّقها في غاية الكثرة ، بل وجود النصوص بالخصوص ، منها ما مرّ ، فتدبّر!

قوله : فبقي الظنّ الّذي يحصل بعد الاطمئنان (٢) بحصول تلك الملكة وعدم الجرأة على الكذب الّذي هو المنافي لمقصود الشهادة (٣).

هذا ينافي ما سيجي‌ء من أنّ العدالة تجتمع مع تهمة الفسق أو الكذب ، وهو إجماعي وارد في الأخبار الكثيرة (٤) ، فتأمّل! مع أنّ المستفاد من الصحيحة (٥) حرمة التفتيش الباطني ، فكيف يلائم هذا اعتبار المعاشرة الباطنيّة؟! فتأمّل!

قوله : وذلك يحصل بما تقدّم ، فتأمّل .. إلى آخره (٦).

وجهه ، أنّ الأصل وما يمنع العمل شاملان لهذا الظنّ أيضا. نعم القاعدة المقرّرة أنّه لا يجوز العدول إلى الضعيف عند التمكّن من القوي ، لكن هذا لا يمنع من العمل بالضعيف مطلقا ، بل في صورة التمكّن منه ، كما هو المقرّر والمعمول به في الضوابط الاجتهاديّة ، فلا وجه للقصر مع وجود الداعي والحاجة إلى العدالة ، إذ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٦٩.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( يحصل معه الاطمئنان ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧٣.

(٤) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٨١.

(٥) أي : صحيحة عبد الله ابن أبي يعفور.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧٣ ، ولم ترد هذه العبارة في كلّ من : الف ، د ، ه ، وورد بدلا منها : ( وأيضا ، الظاهر أنّ ذلك قد يحصل بالاستفاضة. وأيضا ، قد يحصل بإخبار العدلين بذلك .. إلى آخره ).

٧٧٢

الحال في الداعي والحاجة في الصورتين واحد ، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا وجه في الاقتصار في العدالة على الملكة ، لحصول الظنّ بعدم الكذب في غيرها أيضا ، ويؤيّد ذلك ما سيجي‌ء في قبول شهادة الصبي وغيره ، فتدبّر.

في الدعوى

قوله : لعدم ثبوت الحقّ ، لاحتمال تعظيم اليمين وكراهتها ، ولا يحلف إن ردّ عليه ، ويكون ذلك من لوازم الدعوى الجازمة اليقينيّة ، لا مطلقا .. إلى آخره (١).

فيه ، أنّه (٢) بعد تسليم صحّة دعواه ودخوله في العمومات ثبت له حقّ اليمين عليه ، فكيف يمكنه ألّا يحلف ولا يؤدّي حقّ الناس ، سيّما في مجلس الحكم بعد طلب صاحب الحقّ ، وليس هذا تعظيما ، بل مخالفة لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستخفاف بحقوق المسلمين وغصب ، فلا بدّ من حبسه أو جبره عليه ، فإن كان محقّا فلا ضرر عليه.

فإن كرهها وأراد التعظيم فليرض خصمه ، فإن لم يرض إلّا بتمام الحقّ فليعط ، ولعلّه يجوز للخصم أخذه عوض حقّه اليقيني ، ويمكن الحكم بالنكول ، لعموم ما دلّ عليه ، لكن الشأن التأمّل في العموم ، وسيجي‌ء.

على أنّه على تقدير إمكان الردّ يحكم بالنكول ، فعلى تقدير عدمه فبطريق أولى ، فليتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٢٥.

(٢) في النسخ الخطّية : ( ان ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٧٧٣

ويحتمل أن يكون الحكم حينئذ بالصلح ، فتأمّل.

قوله : « .. وقال ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (١) ، ولا شكّ أنّه يفهم من هذه الرواية عدم [ استعمال الزوج ومؤاجرته في تحصيل نفقة الزوجة ] .. إلى آخره (٢).

ويدلّ عليه رواية سلمة بن كهيل ، المرويّة في « التهذيب » في باب آداب الحكّام (٣).

قوله : ولعلّه بالإقرار أشبه .. إلى آخره (٤).

فيه تأمّل ، يظهر بملاحظة حال الناس ، وما ورد من الشارع (٥).

قوله : دليلهم الخبر المشهور المتقدّم : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه » (٦) ، والمتبادر منه كون كلّ واحدة مختصّة بصاحبها ، خرج منه ما ثبت بالدليل ، مثل اليمين الّتي ردّها المدّعى عليه ، وبقي الباقي. يمكن (٧) منع الحصر (٨).

لا يمكن ، لأنّ العبارة ظاهرة فيه عرفا ، ولأنّ المفرد المحلّى باللام يفيد العموم في مقام إفادة الحكم الشرعي ، كما هو المقرّر والطريقة في الاستدلال عليه ، خرج ما خرج بالدليل ، وبقي الباقي.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٩٩ الحديث ٨٣٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤١٨ الحديث ٢٣٩٦١ ، والآية في : الانشراح (٩٤) : ٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٣٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٢٥ الحديث ٥٤١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢١١ الحديث ٣٣٦١٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٣٨.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٤١ الباب ٧ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

(٦) الكافي : ٧ ـ ٣٦١ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٣٣ الحديث ٣٣٦٦٧.

(٧) في ب ، ج : ( ويمكن ).

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٣.

٧٧٤

أو يكون المراد أنّ اليمين لازم على المنكر ، بأن يأتي به أو يحوّله إلى المدّعي ، أو أنّهما كذلك بحسب الأصل أو وظيفتهما ، ولم يثبت الخلاف في يمين المدّعي بحكم القاضي ، إذ لو ثبت لعلّه لا نزاع ، كما هو الحال في ردّ المنكر ، فلا يرفع اليد عمّا هو الأصل والوظيفة المقرّرة الشرعيّة بمحض ثبوت خلاف في موضع.

وممّا يؤكّد الدلالة ، أنّه على القول بعدم القضاء بالنكول يكون ردّ اليمين من القاضي عمدة في فصل الدعوى ، بل أقوى وأولى من يمين المنكر ، فلا وجه لعدم التعرّض لذكره عند ذكرهما ، سيّما والأخبار كثيرة (١).

وإنّما قلنا : إنّه أقوى وأولى لأنّ يمين المنكر فعله يثبت ما هو الأصل والظاهر ، وتركه لا يثبت الحقّ ولا يفصل. وأمّا يمين المدّعي فعله يثبت ما هو مخالف الأصل والظاهر ، وتركه ـ أيضا ـ يثبت ويفصل على المذهب الحقّ.

وأمّا ردّ المنكر ، فلعلّه داخل في : « اليمين على من أنكر » ، على حسب ما مرّ فتأمّل. مع أنّه تعرّض لذكره في أخبار كثيرة (٢) بحيث لا سترة فيه ، بخلاف ردّ القاضي ، فتأمّل! ثمّ إنّه إذا ثبت أنّه لا ردّ للقاضي ثبت القضاء بالنكول ، لعدم القول الثالث ، ولأنّ عدم إمكان قطع الدعوى حينئذ خلاف الإجماع ، فتأمّل.

ولأنّ ذهاب حقّ المدّعي ، حينئذ لا وجه له ، لمخالفته للقاعدة وظواهر الأخبار ، إذ لعلّ المنكر بالحبس أو الجبر لا يحلف ولا يردّ ، فتأمّل! ثمّ إنّه ورد أخبار كثيرة في بيان كيفيّة القضاء واستخراج الحقوق عند عدم البيّنة أو مطلقا (٣) ، وليس في شي‌ء منها ذكر ردّ القاضي اليمين ، مع أنّ المقام يقتضي

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٣٦ الباب ٤ من أبواب كيفيّة الحكم.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٤١ الباب ٧ من أبواب كيفيّة الحكم.

(٣) لاحظ! الكافي : ٧ ـ ٤١٦ باب من لم تكن له بيّنة.

٧٧٥

ذكره لو كان صحيحا ومعتبرا للفصل ، سيّما وقد ذكر فيها ما هو معروف مشهور كاد أن [ يكون ] لا سترة فيه ولا خفاء بالنسبة إلى العوام ، فضلا عن الخواص.

وعدم ذكر الإقرار ، لأنّه ـ في الحقيقة ـ ترك النزاع ، كرفع يد المدّعي عنه بإبراء أو غيره.

وأمّا علم القاضي ، فالمتبادر من تلك الأخبار صورة عدم اطّلاعه بالحقّ.

وأمّا الحكم بالنكول ، فلعلّه يظهر منها ، لأنّ إلزام المنكر عند عدم البيّنة بأحد الأمرين خاصّة ـ لخروج حقّ المدّعي وقطع النزاع ، وأنّه ليس بعد هذا شي‌ء للخروج والقطع ، لا على المدّعي ولا على المنكر ـ ظاهر في حصول المطلوب به ، أعني القدر المشترك بين الأمرين وجودا وعدما.

فتكون (١) العبارة في قوّة أن يقول : يحلف أو يردّ أو يؤدّي الحقّ ، على طريقة ما سيجي‌ء في رواية عبد الرحمن (٢).

وأيضا ، الإجماع واقع في القضاء حينئذ إمّا بمجرّد النكول ، أو به وبردّ القاضي معا.

وحيث ظهر أن ليس بعد يمين المنكر أو ردّه شي‌ء أصلا ومطلقا ، ظهر أنّ القضاء بالنكول وأنّ حصول المطلوب (٣) بالقدر المشترك ليس من حيث الوجود فقط ، مع أنّه إذا تعذّر الظاهر فالحمل على الأقرب متعيّن ، سيّما والأبعد أجنبيّ غريب بالنسبة إليه لا ربط له ، والأقرب في غاية القرب ، كاد أن يفهم ، لو سلّم عدم الفهم على حسب ما مرّ.

__________________

(١) في ب ، ج : ( فيكون ) ، وفي النسخ الأخرى : ( فكون ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٤ ، الكافي : ٧ ـ ٤١٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٣٦ الحديث ٣٣٦٧٣.

(٣) في ب : ( وإن حصل المطلوب ).

٧٧٦

والحاصل ، أنّ الإجماع معارض لظاهر الأخبار ، فلا بدّ من الجمع ، وأقرب الجموع حجّة ، بل والجمع لا يمكن.

مضافا إلى أنّ نكوله عنهما معا مشعر بحقّية حقّ المدّعي ، ودالّ على القدر المشترك بين إضرار الخصم وحقّية حقّ المدّعي ، والإضرار منفي شرعا موجب للتدارك.

وترك الحلف تعظيما ، إنّما هو في صورة الردّ لا غير ، إذ واجب عليه الإتيان به من الله ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحقّ للمسلم ، وحمل أفعال المسلم على الصحّة شرعا ربّما يقتضي البناء على الإقرار إن أمكن.

وأيضا ، بالنكول إمّا يبطل الدعوى وحقّ المدّعي ، أو يصحّ مراعى بمشيئة المنكر بفعل أحد الأمرين ، أو يصحّ ويجبر ويحبس عليه ، مع أنّ الصادر بالإجبار خلاف ما يظهر من الأخبار ، فإن صدر عنه وإلّا بطل الدعوى وحقّ المدّعي ـ أعني استحقاقه لمطالبته المنكر في هذا المجلس بما يدّعيه ، أو في كلّ مجلس ـ ولا شكّ أنّ الكلّ باطلة ، مخالفة لما يظهر من هذه الأخبار وغيرها والإجماع ، أو يصحّ لكن لا يستخرج الحقّ ولا يقطع النزاع إلّا بأمر زائد عليه ، وهو خلاف مدلول هذه الأخبار ، إذ ظاهرها أنّ الدعوى على أيّ حال تفصل والحقّ يستخرج ، وأنّ الطريق منحصر في الأمور المذكورة ، فتأمّل! مضافا إلى أنّ المدّعي لو طلب الفصل في مجلس الحكم فذلك حقّه ، وشاهد الحال قائم بأنّه طلبه كذلك ، مضافا إلى أنّه الطريقة الجارية المعهودة المستمرّة في الحكم.

مع أنّ الإمهال ضرر عليه عاجل ، وربّما يؤدّي إلى تلف الحقّ ، وكذا الجبر ،

٧٧٧

على حسب ما سيذكره الشارح في مسألة سكوت المنكر (١).

ويدلّ على القضاء بالنكول رواية إسحاق بن عمّار الآتية في مسألة تداعي الاثنان حقّا (٢).

قوله : وبعد التسليم يحتمل كونه كذلك ، بأنّ ذلك في الأصل وظيفتهما ، لا مطلقا ، فلا ينافي وجود كلّ واحدة في الآخر بالعارض ، مثل الردّ ، ولهذا قد يتعارض البيّنتان ، وقيل : بتقدّم (٣) بيّنة المدّعي ، وقيل بالعكس ، وسيجي‌ء البحث في ذلك .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ هذه الأخبار لو خلّيت بنفسها وقطع النظر عن جميع ما هو خارج عنها ، لكان ظاهرها القضاء بالنكول (٥) ، ثمّ بملاحظة الخارج لم يظهر سوى أنّ للمنكر ردّ اليمين على المدّعي في بعض المواضع ، وهو الموضع الّذي يتأتّى له ذلك أو مطلقا ، إلّا أنّه استثنى ما لم يتأتّ.

وعلى التقديرين لم يظهر خلاف ما ظهر من هذه الأخبار ، بل يؤكّده ، إذ الظاهر (٦) من ( أنّ له الردّ ) (٧) أنّه لو نكل عن الردّ أيضا يحكم عليه بالحقّ ، كما ظهر من ( أنّه عليه اليمين ) (٨) ، وهذا بعينه معنى القضاء بالنكول.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٧١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٢٢٧ ، الكافي : ٧ ـ ٤١٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٥٠ الحديث ٣٣٦٩٦.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( بتقديم ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٤١ الباب ٧ من أبواب كيفيّة الحكم.

(٦) في ب ، ج : ( بل يؤكّده أنّ الظاهر ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٧.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٦.

٧٧٨

وبالجملة ، غاية ما يظهر من الخارج أنّ كلمة « على » فيها ليس مستعملا في الوجوب العيني ، بل مطلق الوجوب ، أعني القدر المشترك بين العيني والتخييري ـ الّذي هو في الحقيقة معنى الوجوب ـ والواجب التخييري أحدهما واجب قطعا لا محيص عنه.

ثمّ ، لا يخفى أنّ قوله : يحتمل .. إلى آخره (١) إن أراد أنّ الإخبار حينئذ مجرّد الحكاية ، فبعده ظاهر ، وإن أراد أنّه للعمل والثمر الشرعي ، فمطلوب المستدلّ حاصل ، فتدبّر.

وبالجملة ، أمثال هذه المناقشات تخالف الطريقة المستمرّة في الاستدلال ، وربّما يؤدّي إلى سدّ باب كثير من الأحكام ، ألا ترى أنّه رحمه‌الله اختار آنفا ذهاب حقّ المدّعي بنكوله كما عليه الأكثر ، واستدلّ بالأخبار الدالّة على أنّه إن لم يحلف فلا حقّ له ، ومع ذلك وافق غيره في أنّه إن ذكر لنكوله وإبائه عذرا محتملا لم يسقط ، بل زاد وقال : ينبغي أن يسأل الحاكم .. إلى آخره (٢) ، ولم يناقش في الأخبار من هذه الجهة أصلا.

والظاهر من كلام من عثرت على كلامه من القائلين بالقضاء بنكول المنكر أنّ نكوله مثل نكول المدّعي في أنّه بمجرّد الإباء عن الحلف يقضى عليه بالحقّ ، إلّا أن يردّ على المدّعي ، كما أنّ المدّعي بمجرّد نكوله يقضى عليه بسقوط حقّه إلّا أن يظهر عذرا محتملا ، ولعلّ ظاهر صحيحة ابن مسلم (٣) ، ورواية عبد الرحمن (٤)

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٧ ، وفيه : ( ينبغي أن يفصّل الحاكم ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٤ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣١٩ الحديث ٨٧٩ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٠٢ الحديث ٣٣٧٩٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٤ ، الكافي : ٧ ـ ٤١٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة :

٧٧٩

ذلك ، فتأمّل.

قوله : وإن كان الأوّل بعيدا ، إلّا أن يثبت الإجماع في عدم الفرق (١) ، وما في رواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله الآتية في اليمين على المدّعي مع البيّنة في الدعوى على الميّت ، عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : « فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، وإن لم يحلف فعليه » (٢) .. إلى آخره (٣).

لا شكّ في بعده ، والظاهر حجّة ، واحتمال الفرق منفي فاسد بملاحظة الأدلّة والأقوال والطريقة في استنباط الأحكام الفقهيّة.

وأنّ مثل هذا لو كان قادحا في أمثال المقام لانسدّ باب إثبات أكثر الأحكام ، لأنّ ورود النصّ بلفظ عام بحيث ينطبق على المدّعي بنفسه ويسلم عن أمثال ما ذكره من المناقشات قليل ، لو لم نقل بعدمه ، على أنّه لو لم يجز الحكم على المنكر بنكوله عن اليمين إذا لم يكن أخرس حتّى يردّ القاضي اليمين على مدّعيه ويحلف أيضا ، فعدم الجواز بالنسبة إلى الأخرس العاجز بطريق أولى ، فتأمّل!

قوله : ولعلّ المقصود عدم سقوط الحقّ إن لم يحلف ، ويؤيّده ما ذكره في آخر هذه الرواية بعينها ، لو كان ـ أي للمدّعى عليه حقّا (٤) ـ لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين .. إلى آخره (٥).

لا يخفى بعد هذا الاحتمال بملاحظة لفظ « على » ، وتفريعه على الشرط ،

__________________

٢٧ ـ ٢٣٦ الحديث ٣٣٦٧٣.

(١) كذا ، وفي المصدر : ( الإجماع بعدم الفرق ).

(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٣٦ الحديث ٣٣٦٧٣ ، وقد مرّت الإشارة إليه قريبا.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( ولو كان ـ أي المدّعى عليه ـ حيّا ) ، وكذلك في مصادر الحديث.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٤٥.

٧٨٠