حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

المنقول بخبر الواحد حجّة مثل خبر الواحد ، لأنّه خبر الواحد العادل ، فيشمله ما دلّ على حجّيته.

وما قيل من أنّه خبر مرسل فلا يكون حجّة لجهالة الواسطة ، فبطلانه في غاية الوضوح ، لأنّ العادل يدّعي يقينه بالإجماع ـ كما هو مقتضى اصطلاحه ، وظاهر من القرائن الخارجة أيضا ـ ولا يدّعي أنّه أخبر مخبر بالإجماع وأخبر ذلك المخبر مخبر ، وما أعرف كم الوسائط ، إذ القطع حاصل بفساد هذا ، وأنّهم كان يحصل لهم اليقين في زمانهم بالإجماع ، كما يحصل لنا اليقين الآن كثيرا ، إذ لم نر أحدا من الفقهاء ـ حتّى الطاعن المذكور ـ إلّا وأنّه قد أكثر من دعوى الإجماع على سبيل اليقين.

والخبر لا يجب أن يكون علمه حسّيا ، إذ غالب أخبار الآحاد مناطه الحدس ، كالمكاتبة والرواية بالقراءة على الأستاد والإجازة وأمثال ذلك ، مع أنّه ربّما كان في السند سقط أو اشتباه وأمثال ذلك ويتمسّك في نفيها بالأصل والظاهر.

مع أنّ ما دلّ على حجّية خبر الواحد عام يشمل القسمين ، على أنّ واسطة نقل الإجماع لا شبهة في كونه من الفقهاء.

قوله : في عدم الرجوع بعد الرضا ، فلا بدّ من تأويلها .. إلى آخره (١).

كون المراد من الإبراء نفس القبول ليس بذلك البعيد ، وأظهر من ذلك حمل الرواية (٢) على صورة تحقّق الحوالة العرفيّة ، بأن قال للمحتال : خذ طلبك من فلان ، من دون إظهار معاوضة دينه عليه بدين على المحال عليه ، والمحتال أيضا رضي بأخذ طلبه من فلان ، من دون معاوضة دين بدين والرضا فيها.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٠.

(٢) أي : رواية عقبة بن جعفر : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٣٤ الحديث ٢٣٩٩٣.

٤٢١

قوله : إلّا أن يقال بعدم الضمان بلفظ الحوالة في هذه الصورة أو مطلقا .. إلى آخره (١).

لمّا كان في المسألة خلاف عظيم ، لا يمكن إثبات شغل ذمّة المحال عليه بمحض إطلاق لفظ الحوالة ، إذ لعلّه اجتهد فرأى جريان الحوالة في المشغول وغيره ، أو قلّد من رأى ذلك ، أو لم يجتهد ولم يقلّد إلّا أنّه اعتقد كذلك ، أو كان يعتقد عدم الجريان إلّا أنّه باعتقاد أنّ المحيل كان يعتقد الجريان ، ولذا قال : أحلت ، وأمثاله ما أمكن عليه في إطلاقه ، أو غير ذلك.

نعم ، إن اعتقد أنّ الحوالة لا تكون بالبرء وصرّح ـ مع ذلك ـ بأنّ معاملتنا كانت حوالة ثمّ ادّعى أنّ مرادي من الحوالة كان معناه المجازي من دون نصب قرينة ، أمكن أن يقال : إنّك اعترفت بشغل ذمّتك فلا يسمع منك دعوى المجاز من دون قرينة ، كما هو الحال في سائر الأقارير.

قوله : وإلّا يلزم عدم الرجوع إلى المحتال ، ولا المحال عليه .. إلى آخره (٢).

لا وجه لما ذكره أصلا ، إذ على تقدير صحّة الحوالة وعدم طروء الفساد أصلا يلزم أن يكون المحتال مشغول الذمّة بردّ الثمن ، فإذا عاوضه دين المحال عليه صار ملكا له بإزاء ثمن المبيع الّذي اشتراه المشتري ، فاستحقاقه إنّما هو من جهة المبيع الّذي كان ملكا له وجعله ملكا للمشتري ، فإذا ردّ المشتري ملكه بوجه صحيح شرعيّ استحقّ ما أعطاه بإزاء المبيع ، ولا يمكن الجمع بين العوض والمعوّض عنه ، ومعنى فسخ البيع : جعلت مال البائع راجعا إليه بإزاء رجوع مال المشتري إليه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١١.

(٢) في مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٢.

٤٢٢

وبالجملة ، لا فرق بينه وبين أن يأخذ البائع الثمن ويشتري به شيئا أو يتلفه بأيّ نحو كان ، فإنّ المشتري عند الفسخ يأخذ عوض ثمنه البتّة ، وسيجي‌ء في الحاشية [ التالية ] ما له دخل في المقام.

قوله : ويفهم ذلك من « الشرائع » (١) ، وقد نقل في « شرحه » (٢) الإجماع عن الشيخ [ في الصحّة هنا ] .. إلى آخره (٣).

وصرّح به في « القواعد » (٤) ، مع أنّه واضح أيضا ، فإنّ البائع لو أخذ الثمن من المشتري وقضى به دينه ، أو اشترى به شيئا ، أو تزوّج بامرأة وجعله المهر ، أو غير ذلك ثمّ انفسخ البيع ، لا يمكن للمشتري الرجوع إلى البائع إلّا بعوض ثمنه ، ولا تسلّط له على عين ثمنه قطعا.

وأمّا إذا ادّعى عوض ثمنه شيئا برضى من البائع ، مثلا : كان الثمن دراهم فاعطي دنانير ، أو حنطة ، أو غيرهما ، فإذا فسخ البيع (٥) يحتمل أن يكون له الرجوع بعين ما أدّاه ، إذ في الحقيقة هو صار عوض مبيعه ، وهو الّذي وصل إلى البائع عوض ملكه ، وهو الّذي وصل المبيع إليه بإزائه ، وهو الّذي وقع التقابض به والتسليم به.

فللمشتري أن يقول : ردّ عليّ ما سلّمت عوض المبيع وقبّضتك وقبضت مبيعك بإزائه ، إذ لو لا البيع لما سلّمت وأقبضت.

وبالجملة ، المتعارف في الديون أنّ الديّان يأخذ حقّه بأيّ نحو كان ، ويصل إلى حقّه بأيّ وسيلة ، سواء كان عين حقّه أو مثله أو عوضه برضى منهما ، لكن إذا

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ ـ ١١٤.

(٢) مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٠٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٣.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٨١.

(٥) في كافّة النسخ : ( فسخ العيب ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٤٢٣

طرأ الفساد يردّون عين ما أخذوا ، وللديّان التسلّط في ردّ عين ما أخذ ، وللمديون أيضا التسلّط في أخذ ما أعطاه إن كان باقيا ، لأنّ إعطاء العوض لم يكن إلّا أنّه عوض حقّه الّذي استحقّه ، ولو لاه لما كان يعطي ولا يعاوض أيضا ، بل ما أعطاه إلّا خروجا عن حقّه وبراءة منه ، فإذا ظهر عدم الحقّ ظهر أنّ الإعطاء حاله حال الحقّ.

قوله : [ وهذا هو الفرق بين الصورتين ] ، فتأمّل فيه .. إلى آخره (١).

لا تأمّل فيه ظاهرا ، لأنّ مدار الفقهاء في الفرق بين صور البطلان من الأصل ، والبطلان من الحين على ما ذكر ، والشارح أيضا وافقهم في المواضع الأخر ، على ما هو ببالي.

قوله : على أنّا ما نعرف سبب منع ذلك ، إذا كان بالرضا .. إلى آخره (٢).

قد مرّ في الضمان ما به يعرف (٣) ، وذلك لأنّ اشتغال ذمّة المحيل شرط كذمّة المضمون عنه ، فقبل الأجل لم يصر مشغول الذمّة (٤).

نعم ، يصحّ مؤجّلا كالأصل ، لأنّه كان كذلك في ذمّة المحيل ، فينتقل كذلك في ذمّة المحال عليه ، وأمّا العكس فجائز بلا غبار ، وهو ظاهر ، وقد كتبنا في الضمان ما به ينقّح الحال ، فتأمّل.

قوله : وأيضا ، غير ظاهر اشتراط التساوي جنسا ، إلّا أن يكون مجمعا عليه ، إذ قد يجوز ذلك أيضا بالرضا .. إلى آخره (٥).

قد عرفت أنّ الحوالة نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فلو كان في

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٤.

(٣) في د ، ه : ( بأنّه يعرف ).

(٤) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٤.

٤٢٤

ذمّة المحيل دراهم ـ مثلا ـ وفي ذمّة المحال عليه حنطة ، فالحوالة على المحال عليه بما هو في ذمّة المحيل مثل الحوالة على البري‌ء ، لأنّ ذمّته كانت بريئة من الدراهم ، فإن كان رضي بمجرّد صيغة الحوالة يصير ضامنا كما مرّ ، وله الرجوع على المحيل بما ضمنه ، وللمحيل الرجوع عليه بما في ذمّته.

وإن رضي بشرط أن يكون عوض ما في ذمّته ، فهو ضمان بشرط ، ولا يصلح أن يقال : لعلّه حوالة بشرط ، لما عرفت من أنّ نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه مع براءة ذمّته وعدم اشتغالها لا وجه له ، إلّا أن يكون ضمانا في المعنى.

على أنّا نقول : شرط التساوي تحقّق هنا أيضا ، لأنّ المراد تساوي ما في ذمّة المحيل الّذي انتقل إلى ذمّة المحال عليه ، وصار عوضا عنه فيما في ذمّة المحال عليه الّذي اشتغل ذمّته به مساو جنسا ووضعا وقدرا ، فالعوضان متساويان في الأمور ، ومرادهم تساوي العوضين.

وأمّا ما كان في ذمّة المحال عليه وتبدّل بالعوض الّذي صار عليه من عقد ، فهو أمر خارج عن الحوالة ، غير داخل في عوضها ، ولا في ثمرة الحوالة وأثرها ، وهو الانتقال من ذمّة إلى ذمّة أخرى.

وأمّا إذا رضي المحتال بما في ذمّة المحال عليه فوقع معاوضته مع المحيل ، وإذا لم يقع معاوضة معه بأن قال المحيل : خذ مالك في ذمّتي عوض حنطة من فلان ، وقبل ورضي ، فليس من الحوالة ، إذ ليس نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، بل هو استيفاء حقّ بحت ، ومفاوضة في مقام الاستيفاء ، كسائر الاستيفاءات للديون ، كما عرفت فيما سبق.

وبالجملة ، الحوالة الّتي ذكرها الفقهاء وعرّفوها ، وظهر معناها من اللغة

٤٢٥

والعرف ـ على ما عرفت في أوّل البحث ـ وثبت صحّتها وأحكامها من الأدلّة ، لا تتحقّق بغير التساوي في الأمور المذكورة ، مثلا إذا أحال المحيل بأكثر ما في ذمّته لم يكن الزائد في ذمّته ، فكيف ينتقل من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه؟! ولو كان الأمر بالعكس ، بأن يكون ما في ذمّة المحيل أكثر ممّا في ذمّة المحال عليه ، فيكون الزائد حوالة على البري‌ء ، وقد عرفت أنّها في الحقيقة والمعنى ضمان ، ومع ذلك عرفت تحقّق التساوي ، إذ على تقدير دخول الحوالة على البري‌ء في الشرط المذكور ، فلا جرم مرادهم من التساوي تساوي ما في ذمّة المحيل مع ما في ذمّة المحال عليه بعد تحقّق الحوالة ومن جهة الحوالة ، كما لا يخفى.

٤٢٦

الكفالة

قوله : أو يتمكّن بمشقّة عظيمة وما طلبه المكفول له منه .. إلى آخره (١).

لم يشر أحد إلى عدم التجويز ، مع أنّهم لو لم يجوّزوا هنا لزمهم فهم عدم التجويز في الضمان وأداء الدين وأمثالهما بطريق أولى ، لأنّه ضرر من أوّل الأمر ، والكلّ جوّزوا ، وورد به الأخبار (٢) ، وفعله الأئمّة عليهم‌السلام (٣).

سلّمنا عدم تجويزهم ، لكن لا يقتضي ذلك الاشتراط.

أمّا في صورة عدم الضرر ـ وهو الغالب الشائع ـ فظاهر ، وأمّا في الصورة النادرة ، فلأنّ غاية ما اقتضاه عدم التجويز هو عدم الضرر ، وذلك لا يقتضي اشتراط الإذن ، إذ وجه عدم الضرر غير منحصر في الاشتراط ، مع أنّ المعروف من كلام الفقهاء أنّ الكفيل يرجع بما اغترمه على المكفول ، وإن كان الكفالة بغير اذنه.

قوله : ولهذا لا يجوز للمكفول له منعه عن ذلك السفر إذا كان دينه مؤجّلا بأجل قليل جدّا .. إلى آخره (٤).

هذا علّة لعدم جواز منع الكفيل ، وإن وقعت الكفالة بإذنه وقلنا بأنّ الإذن والرضا للمكفول شرط ، فلا يناسبه أن يجعل ما ذكره من عدم تجويز مثل هذا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٣٠ الباب ١٨ من أبواب الضمان.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٢٣ الباب ٣ من أبواب الضمان.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٦.

٤٢٧

الضرر علّة لاشتراط رضاه ، وإن كان علّة للاشتراط فليس إلّا أنّ العقد معه صحيح وبدونه لا دليل على صحّته ، إذ لا إجماع ولا عموم ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرد المتعارف ، ولم يتعارف الكفالة بغير رضا المكفول ، إلّا أن يدّعي كونه أيضا من الأفراد المتعارفة ، أو أنّ إطلاقه ظاهر في العموم ، فليلاحظ وليتأمّل!

قوله : إن جاء زيد فأنا كفيل به ، أو إن طلعت الشمس ، وبذلك كلّه [ قال الشافعي ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ قول : كفلت ، وأنا كفيل ، وأمثالهما إنشاء للكفالة من حين العقد ، يعني : أنا صرت كفيله ، أو الآن كفيله ، على ما هو مقتضى العقود ، فإذا ضمّ إلى ذلك قوله : بعد شهر ، أو إن طلعت الشمس ، وأمثالهما ، يعني المعنى : أنا الآن ما صرت كفيله ، ولست الآن كفيله ، وأمثالهما ، فيحصل التدافع ، لأنّ العقد إنشاء الأمر بمحض التكلّم ومن حينه فيثبت من الحين ، وقوله : بعد شهر ، معناه لم يحدث ولم يحصل من الحين.

اللهمّ ، إلّا أن يرفع اليد عن الإنشاء ، ويجعل خبر أو عدة لا عقدا ، فيبطل إن أريد العقد ، أو يجعل المعنى : أنا الآن كفيل إلّا أنّه لي أن لا أسلّمه إلّا بعد شهر ، فيصحّ العقد.

وأمّا صحّة إجارة الشهر الآتي غير متّصل بالعقد ، فعلى القول بالصحّة ، لكونه ملكا له حين العقد ، من غير فرق بينه وبين المتّصل ، كما مرّ تفصيله.

قوله : [ ولو قال : أنا أحضره أو أؤدّي ما عليه ] لم يكن كفالة (٢).

بل وعدة وشرط غير داخل في عقد الكفالة ، ولا غيره من العقود المعهودة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٧.

٤٢٨

المذكورة في كتب الفقهاء ، وعقودهم منحصرة فيما ذكروه ، كما لا يخفى ، مع أنّ الوعدة لا تكون عقدا ، كما عرفت وستعرف.

ومراد المصنّف أنّ الكفالة وإن كان حكمها ما ذكر إلّا أنّه لا يصحّ أن يكون عقدها كذلك ، لعدم التعيين في الكفالة.

قوله : لعموم أدلّة صحّتها ، خصوصا : « المسلمون عند شروطهم » ، الثابت (١) بالرواية الصحيحة (٢) ، والقول به للعامّة (٣) والخاصّة .. إلى آخره (٤).

قد عرفت [ أنّ ] حمل مثله على سبيل اللزوم والعموم يوجب تخصيص العام بالقدر الّذي لا يرضى به المحقّقون ، إذ الشروط والعهود الّتي يجب الوفاء بها عند الفقهاء منحصرة في النوافل الشرعيّة المعهودة المضبوطة في كتب الفقه.

سلّمنا الوجوب ، لكن غاية ما ثبت منها وجوب الوفاء بما شرط وعهد ، ومقتضى ذلك ليس إلّا العقاب على الترك ، لا تحقّق ثمرات الكفالة ، وإن جعل ثمراتها شرطا وعهدا ، فتأمّل جدا.

وأمّا عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) ، فسيجي‌ء في كتاب الشركة بعض ما ينبغي أن يلاحظ ويتأمّل (٦) ، مع أنّه يمكن أن يقال : بمجرّد العقد صار الإحضار حقّا للمكفول له ، فإن كان معيّنا ثبت المطلوب ، وإن كان غير معيّن ، فمن المعلوم

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( الثابتة ).

(٢) الكافي : ٥ ـ ١٦٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الحديثان ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.

(٣) لاحظ! كنز العمّال : ٤ ـ ٣٦٣ الحديثين ١٠٩١٨ و ١٠٩١٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٧.

(٥) المائدة ٥ : ١.

(٦) انظر الصفحة : ٥٣٨ من هذا الكتاب.

٤٢٩

أنّ غير المعيّن لا يتحقّق في الخارج ، فكيف يكون غير المتحقّق في الخارج حقّا ثابتا في الخارج بمجرّد العقد ومن حينه؟! نعم ، يصير الكلّي ثابتا في الذمّة ، لتحقّقه بتحقّق فرده ، وأمّا غير المعيّن فلا يوجد ولا يتحقّق ، فلو جاز كفالة غير المعيّن لجاز بيع غير المعيّن وإجارته ، فتأمّل جدّا.

نعم ، يمكن أن يقال : جعلت هذا حقّك فإن لم أسلّم فعليّ كذا ، لا أن يقول : فإن لم أجعله حقّك فعليّ كذا.

فعلى هذا ، يصحّ أن يقول : كفلت زيدا فإن لم أحضره أؤدّي ما عليه ، وبعد الأداء يسقط حقّ الكفالة ، بخلاف أن يقول : كفلت زيدا فإن لم أحضره فعليّ إن أحضر عمرا ، أو : فأنا كفيل بعمرو.

فإن كان المراد الكفالة عنهما ، أحدهما بالأصالة والثاني بالشرط في ضمن العقد لا بعقد الكفالة لعدم صحّة التعليق ، يكون صحيحا ، وإن أراد أنّ حقّ كفالة زيد يكون ساقطا فلا يكون صحيحا بالنسبة إلى كفالة زيد ولا بالنسبة إلى كفالة عمرو ، وذلك ظاهر.

قوله : لأنّ المتلقّاة صحّة الكفالة مجملة ، بحيث يصدق عليه .. إلى آخره (١).

هذا يتوقّف على ثبوت الكلّية بدليل ظاهر ، وقد عرفت التأمّل في العموم الّذي ادّعاه ، إلّا أن يقال : عموم ( أَوْفُوا ) (٢) لا تأمّل فيه بحيث يشمل ما ذكر ، لأنّه عقد يدلّ على كفالة بمعونة القرينة ، إن كانت قرينة واضحة لا يكون تأمّل فيها ، إذ حمل كلام العاقل على الممكن لا يقتضي تعيين ما ذكره ، إذ لعلّ مراده

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٨.

(٢) المائدة ٥ : ١.

٤٣٠

إظهار عدم الكفالة الشرعيّة (١) أو المزاح والمطايبة.

وأيضا ، لا بدّ من صحّة الإطلاق ، إذ ليس كلّ جزء يصحّ أن يعبّر عن الكلّ بلفظه ، ومرّ الكلام في أمثال المقام في كتاب البيع (٢).

قوله : الأصل وعموم أدلّة الكفالة دليله ، والظاهر أنّه لا خلاف في المؤجّل .. إلى آخره (٣).

قد علمت ـ مكرّرا ـ أنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، وهذا يتوقّف على الدليل قطعا ، وإن لم يكن دليل فالأصل بقاء الحال على ما كان سابقا على العقد ، للاستصحاب وقولهم ـ صلوات الله عليهم ـ : « لا تنقض اليقين بالشكّ » (٤) وغيره ، فالأصل عدم الصحّة.

مع أنّ معنى كون الأصل الصحّة ، كون كلّ عقد يتحقّق من أيّ شخص بأيّ نحو أراد وأيّ كيفيّة فعل يكون شرعيّا أو صادرا من الشرع وثابتا منه ، ولا يخفى فساده وانحصار العقود الثابتة من الشرع ـ بإجماع المسلمين ، والضرورة من الدين ـ في عقود معروفة.

شرائط الكفالة وأحكامها

قوله : لأنّ ذلك (٥) مقتضى الكلام عرفا ، وهو المتبادر عند الإطلاق. إلى

__________________

(١) في ب ، ج : ( المشروعيّة ).

(٢) راجع الصفحة : ٦٠ من هذا الكتاب.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ ـ ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٥) في المصدر : ( لأنّه ) بدلا من : ( لأنّ ذلك ).

٤٣١

آخره (١).

قد عرفت أنّ العقد إنشاء ، وتحقّق الإنشاء من الحين ولا يمكن غيره ، لا أنّه مقتضى الكلام عرفا وأنّه المتبادر ، بل المتبادر منه أنّه يحضره من الحين إن شاء ، وهو مقتضى إطلاق العقد ، لأنّه لم يقيّده بأجل ووقت.

قوله : مثل إدراك الغلّات ومجي‌ء القوافل (٢).

لا يخفى أنّهما معيّنين عند المتعاقدين ، وإلّا فهما متعيّنان في الواقع ، فإذا كان غير معيّن في الواقع أيضا ، مثل : هذا الشهر أو الشهر الآتي ، فضرره أزيد ، للغرر وعدم التعيّن (٣) المنافي للعقد اللزومي ، كما عرفت.

وإذا كان مثل إدراك الغلّات غررا ومضرّا ، فمثل أحد هذين أيضا غرر ومضرّ ، فكيف حكم الشارح بصحّته؟!

قوله : وعن الصادق عليه‌السلام أيضا (٤) قال : « قلت له : رجل كفّل بنفس رجل فقال : إن جئت به وإلّا فعليّ خمسمائة درهم ، قال : عليه نفسه .. » .. إلى آخره (٥).

أي بعد ما صار كفيلا ، يعني : قال ذلك بعد تمام العقد ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه حينئذ كفيل أبدا ولا عليه شي‌ء من الدراهم ، إذ لا وجه لاشتغال ذمّته بها بمجرّد هذا الشرط من الخارج ، فلو قال : عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه حين عقد الكفالة وابتداء أمره يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه ، لأنّه شرط في ضمن عقد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣١٩.

(٣) في ج ، د ، ه : ( التعيين ).

(٤) لم ترد ( أيضا ) في المصدر.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٢١ ، الكافي : ٥ ـ ١٠٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٣٢ الحديث ٢٣٩٨٨.

٤٣٢

لازم من طرفه.

والمشعر بما ذكرناه ، كون الأوّل عقيب الكفالة ، بمقتضى دلالة الفاء ، وظهور تحقّق تماميّة الكفالة من قوله : « رجل كفّل بنفس رجل » ، فظهر بقرينة المقابلة أنّ الثاني مفروض في خلاف الأوّل ، وهو عدم كون قول : عليّ خمسمائة درهم .. إلى آخره ، بعد تماميّة عقد الكفالة وعقيبه ، بل يكون حينه ، وابتداء أمره فيه.

وقوله : ( إلّا أن يبدأ بالدراهم ) (١) أيضا مشعر كما سنذكر ، إذ الظاهر أنّ الحديثين (٢) واحد ، كما صرّح به الشارح رحمه‌الله (٣) ، وحكم به الذوق السليم ، وأنّ تفاوت المتنين حصل من تأدّي المقصود بعبارة الراوي ونقله الحديث بالمعنى ، إذ هو صحيح عندهم (٤) ، ورووا في صحّته أخبارا (٥) ، كما هو ببالي ، وبالتتبّع يحصل القطع بما ذكرناه.

لكن ذكر أنّ في نسخة « الكافي » هكذا : فقال : « إن جئت به ، وإلّا فعليك خمسمائة درهم » (٦). الحديث ، بعد قوله : « رجل كفل لرجل بنفس رجل » ، فيظهر من هذا أنّ الضمير في « قال » راجع إلى الرجل المكفول له المذكور في الحديث ، فالحكم ـ حينئذ ـ واضح ، لأنّ بمجرّد قول المكفول له ذلك لا يلزم على الكفيل شي‌ء.

نعم ، إن قال الكفيل ذلك من قبل نفسه ، بأن قال هو ـ يعني الكفيل ـ : عليّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٢١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٣٢ الحديث ٢٣٩٨٩.

(٢) أي : حديثي أبي العباس البقباق المشار إليهما في الهامشين السابقين.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٢٤.

(٤) راجع : معالم الدين : ٢١٢.

(٥) لاحظ! الكافي : ١ ـ ٥١ الحديثين ٢ و ٣ ، بحار الأنوار : ٢ ـ ١٦١ الحديث ١٧ و ١٦٤ الحديث ٢٤.

(٦) الكافي : ٥ ـ ١٠٤ الحديث ٣ ، وفيه : ( وإلّا عليك .. ).

٤٣٣

خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، قال ذلك ابتداء من قبل نفسه ، يلزمه الدراهم ، قال ذلك حين العقد كما هو الظاهر ، فيكون شرطا في ضمن عقد ، ولا مانع منه.

ولا يلزم من ذلك كون الكفالة معلّقة كما لا يخفى ، والدراهم المذكورة إمّا نفس حقّ المكفول له أو غيرها ، بأن يكون نذرا أو جعالة على حسب ما سيشير إليه الشارح رحمه‌الله (١).

ويمكن أن يكون ذلك القول بعد العقد أيضا ، لكن حصل التراضي ذلك الحين إذا احتاج إلى التراضي ، لكن لا بدّ من تحقّق شرائط النذر أو الجعالة ، فليتأمّل ، مع أنّه بعيد إرادتهما ، سيّما الثاني.

نعم ، النذر لا يخلو عن قرب على رواية الكليني (٢) ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ الرواية الثانية رواها الشيخ ، عن الكليني ، وقد عرفت أنّ الكليني كيف رواها ، فالظاهر أنّ ما في « التهذيب » (٣) فيه خلل ، والظاهر أنّ الروايتين واحد كما أشرنا ، وأنّها كما رواها الكليني ، لأنّه أضبط ، وهو ما روى غيرها لما عرف فيه من الخلل ، فلا حاجة إلى التوجيه ، فتأمّل!.

قوله : وجهه ظاهر ، وكأنّه مجمع عليه للأصحاب ، والغرض منه الردّ (٤) على بعض العامّة [ حيث أوجبوا المال على الكفيل ] .. إلى آخره (٥).

إن كان الوجه الظاهر عدم إمكان الإتيان به وإحضاره ، فيلزم من هذا أن لو كان محبوسا عند ظالم مانع مدّة عمره ، أو الوقت الّذي جعل في ذمّته إحضاره

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٢٥.

(٢) الكافي : ٥ ـ ١٠٤ الحديث ٣ ، وقد تقدّم آنفا.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠٩ الحديث ٤٩٣.

(٤) كذا وفي المصدر : ( والغرض الردّ ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٢٦.

٤٣٤

فيه ، أو كان مريضا لا يمكن إحضاره كذلك ، أو غائبا لا يدري موضعه ، أو أمثال ذلك ، ومنها عدم قدرته على إحضاره ـ من تغلّبه وتسلّطه ـ يصير بريئا أيضا ، فلا وجه للتخصيص بالموت.

والبناء على أنّ ذكره من باب المثال بعيد ، مع أنّ المناسب في المثال ذكر ما هو أخفى ، إذ يحتمل أن يكون الوجه فوت ما وقع عليه العقد وانعدامه ، وإن كان الظاهر في النظر عدم الفرق بينه وبين ما لا يمكن إحضاره.

وربّما يظهر من كلام البعض أنّ الكفيل ، إذا لم يتمكّن من الإحضار ولم يكن مقصّرا لم يكن عليه شي‌ء ، حيث قال : ( ولو انقطع خبر المكفول لم يكلّف الإحضار ، لعدم الإمكان ، فلا شي‌ء [ عليه ] ، لأنّه لم يكفل المال ولم يقصّر في الإحضار ، وكذا إذا مات أو سلّم نفسه أو سلّمه أجنبيّ ) (١) انتهى.

لكن في « القواعد » في صورة الهرب أو انقطاع الخبر حكم بإلزام الكفيل بأحد الأمرين ـ الإحضار أو إعطاء ما عليه ـ واحتمل براءة ذمّة الكفيل ، واحتمل أيضا الصبر (٢).

والأصل في ذلك أنّ مضمون العقد إن كان الإحضار مطلقا سواء أمكنه أم لم يمكنه ، تصير صورة عدم الإمكان ـ في الحقيقة ـ راجعة بالمال إلى إعطاء حقّه ، وما ادّعاه على المكفول ، فحينئذ يلزم بأحد الأمرين ـ كما ذكره العلّامة ـ والميّت خرج بالإجماع ، إن تمّ.

وإن كان مضمونه الإحضار إن أمكن وتيسّر ، لا إن لم يمكن ، كما هو الحال في سائر العقود ، فإن كان الكفالة لم يكن لنهايتها حدّ محدود ـ وإن كان لبدايتها

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٨٣.

٤٣٥

حدّ محدود ـ فالصبر متعيّن ، وإن كان لها حدّ محدود ولم يتيسّر الإحضار إلى انقضاء الحدّ ، فبراءة ذمّته متعيّنة ، مع احتمال الصبر حينئذ أيضا ، بأن يقول المكفول له : لي حقّان ، حقّ الإحضار ، وحقّ كون ذلك في الوقت المعيّن ، فإذا لم يتيسّر أحد الحقّين لم يسقط الآخر ، فتأمّل.

فيمكن أن يكون تعيين أحد الأمرين حين العقد لازما للخروج عن الإجمال المنافي له والإشكال الوارد عليه ، فتأمّل جدّا.

٤٣٦

الصلح

قوله : ثابت بإجماعهم من غير نقل نزاع عنهم فيه .. إلى آخره (١).

والدليل على ذلك ـ بعد الإجماع ـ أنّ الصّلح والإصلاح لغة وعرفا هو إزالة الفساد ، لا إزالة الخصومة والنزاع بخصوصه ، ومعلوم أنّ الصلح إذا لم يتحقّق يكون هناك إفساد من جهة عدم ترتّب أثر شرعيّ ، لأنّ الفساد في مقابل الصحّة ، والصحّة في المعاملات عبارة عن ترتّب الأثر الشرعيّ ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ (٢) للناس ما يفعلون في أموالهم عقلا ونقلا .. إلى آخره (٣).

لا يدلّ هذا على الصحّة شرعا ، فإنّ الصحّة حكم شرعيّ يحتاج إلى دليل ، وتسلّط الناس على أموالهم يقتضي إباحة تصرّفاتهم ، وعدم المنع شرعا.

أمّا كونها مثمرة الثمرات الشرعيّة ، فإنّ الناس لا يسلّطون على الجعل في الشرع ، بأنّهم متى ما أرادوا أن يصير شي‌ء شرعيّا يصير شرعيّا بمحض اشتهائهم وإرادتهم.

قوله : وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يعطي أقفزة من حنطة معلومة يطحنها بدراهم .. إلى آخره (٤).

لا دلالة فيها على الصلح ، بل على أنّ شيئا إذا صار اصطلاحا بينهم

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣١.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( وأنّ ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١ الحديث ٥٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٤٩ الحديث ٢٤٠٢١.

٤٣٧

وقاعدة منهم فيمشون على اصطلاحهم لا يكون له مانع شرعيّ.

قوله : [ يدفعون ] وهم من يتوهّم من الجهّال .. إلى آخره (١).

بل توهّم غير الجهّال أيضا ، فإنّ النهي عند المحقّقين في المعاملات لا يقتضي الفساد (٢) ، فيتوهّم صحّة الصلح على الحرام.

قوله : ولعلّ المراد أنّه إذا لم يكن أحدهما [ عالما ] ببطلان دعواه .. إلى آخره (٣).

يمكن أن يكون المعنى أنّ المنكر مع إنكاره يصحّ أن يصالح ، وليس هذا الصلح مخالفا لإقراره ومنافيا له ، إذ إنكاره يقتضي أن لا يكون في ذمّته حقّ أو مال أو عين ، والصلح عن دعواه ربّما يوهم الإقرار بحقّ أو غيره ، إذ لولاه لما صالح ، والمراد من الصحّة ليس إلّا ترتّب أثر شرعيّ في الجملة ، فتأمّل!

قوله : ويشترط فيهما التملّك ، فلو كان غير مملوك .. إلى آخره (٤).

إن كان مالا ، لا مطلقا ، إذ يصحّ الصلح على أيّ حقّ يكون.

قوله : [ إلّا أن يعلمه ] ويصرّح بـ ( مهما كان ) .. إلى آخره (٥).

ربّما كان بعض المقامات في التصريح بـ ( مهما كان ) إشكال ، إذ ربّما يتوهّم الوصول إلى مقدار ولذا يرضى ، ولو علم أنّه أزيد لا يرضى.

وبالجملة ، يظهر على المعامل أنّه إن كان يصرّح بأنّه أيّ قدر لا يرضى أن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٥.

(٢) لاحظ! معالم الدين : ٩٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٧.

٤٣٨

يصالح بالنحو المعهود بينهم ، ولذا يجعل قوله : ( مهما كان ) حيلة لاستحلاله.

نعم ، إن علم يقينا أنّه إن أخبر بالواقع أيضا يرضى على طريقة رضاه بقول : ( مهما كان ) ، من دون فرق يمكن أن يكون كافيا ، مع إشكال ما فيه أيضا ، إذ ربّما يكون يقينه خطأ ، كما يتحقّق كذلك كثيرا ، ولذا يقين كلّ عالم أو فقيه لا يصير حجّة على غير المقلّد ، وأمّا المقلّد في الفروع الفقهيّة فيكفيه ظنّه أيضا ، فتأمّل.

قوله : بأنّه البطائني الواقفي المردود .. إلى آخره (١).

لكن الشيخ في « العدّة » ادّعى إجماع الشيعة على العمل بروايته (٢).

قوله : ولعلّ وجه جواز الإبطال بالتراضي والتقايل الإجماع .. إلى آخره (٣).

ويدلّ عليه ـ أيضا ـ عموم قوله عليه‌السلام : « من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة » (٤) ، ويدلّ في سائر العقود أيضا.

قوله : على أنّ في إشعار الخبر بكونه في الانتهاء مناقشة .. إلى آخره (٥).

لعلّ مراده من الإشعار قوله : « إذا اشترط .. إلى آخره » (٦) ، فإنّ كلمة ( إذا ) إذا دخلت على الماضي ربّما يفيد أنّ الشرط يكون الآن لا من حين العقد ، لأنّه مخالف لمقتضى العقد ، فيكون مخالفا للكتاب كما قال المعصوم (٧) ، لأنّ مقتضى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٣٨.

(٢) عدة الأصول : ١ ـ ٣٨١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٤٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٨٧ الحديث ٢٢٨٠٨ ، مع اختلاف يسير.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٤٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٤١ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٤٤ الحديث ٢٤٠١٢.

(٧) لاحظ الهامش السابق!.

٤٣٩

الشركة أن يكون النماء تابعا للعين ، وكذا التوى.

وما ذكر إنّما هو بعد فسخ الشركة.

في أحكام الصلح

قوله : ويد الثالث كيدهما [ إلى قوله : ] ظاهر أنّ (١) لكلّ واحد منهما حلف صاحبه .. إلى آخره (٢).

مفروض المسألة ، كون الدرهمين في يدهما ، ومقتضى اليد الملكيّة ، فظاهر الشرع ـ مع قطع النظر عن الدعوى ـ أنّ الدرهمين بينهما بالمناصفة.

فمدّعي المجموع مدّع للقدر الّذي هو في يد الآخر وملكه بظاهر الشرع من جهة اليد ، ومدّعي الواحد منكر خالص ، فكيف ينقسم حقّه بنصفين ، نصف لمدّعي الكلّ ، والآخر له؟! بل لا بدّ من البيّنة من المدّعي ، وعلى المنكر اليمين ، وبالردّ اليمين على المدّعي ، فلو نكل لا يكون له حقّ إن لم يقض بالنكول ، وإلّا فبمجرّد نكول المنكر يصير الدرهم مال المدّعي ، فإن حلف فلا حقّ للمدّعي.

نعم ، ما ذكره حقّ إذا لم يكن الدرهم في يدهما ولا يد غيرهما ممّن يصدّقهما ، إلّا أن يقال : إقرار المنكر بأنّ نصف الدرهمين للمدّعي أخرج النصف عن محلّ النزاع ، وبقي النصف الآخر ، ولمّا كان ذلك النصف أيضا في يدهما على السواء ، قسم بينهما بنصفين.

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( والظاهر أنّ ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٤٢.

٤٤٠