واعلم أنّ صاحب الحاشية قدسسره وإن ظهر منه الالتزام بالصرف أو التقييد ، إلاّ أنّ ذلك في الأمر الثاني من أدلّته الذي هو عين ما تقدّم من دليل صاحب الفصول ، وقد ذكر أيضاً ما مرّ من الإشكال عليه بأنّ الظنّ بالواقع يكفي كالظنّ بالطريق وأجاب عن ذلك في الوجه الثاني بما يرجع إلى التقييد ، قال في الوجه الثاني : فإن قلت : إنّه كما قام الظنّ بالطريق مقام العلم به من جهة الانسداد ، فأيّ مانع من قيام الظنّ بالواقع مقام العلم به حينئذ ، وإذا قام مقامه كان بمنزلة العلم بأداء الواقع ، كما أنّ الظنّ بالطريق بمنزلة العلم به ، فكما يحصل البراءة بالعلم مع انفتاح سبيله يحصل أيضاً بالظنّ مع انسداد سبيله.
قلت : لو كان أداء التكليف المتعلّق بكلّ من الفعل والطريق المقرّر مستقلاً صحّ ذلك ، لقيام الظنّ في كلّ من التكليفين مقام العلم به مع قطع النظر عن الآخر ، وأمّا إذا كان أحد التكليفين منوطاً بالآخر مقيّداً له ، فمجرّد حصول الظنّ بأحدهما من دون حصول الظنّ بالآخر الذي قيّد به لا يقتضي الحكم بالبراءة. وحصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنّما هو لحصول الأمرين به ، نظراً إلى أداء الواقع وكونه من الوجه المقرّر ، لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل والشرع ، فلو كان الظنّ بالواقع ظنّاً بالطريق أيضاً جرى الكلام المذكور في صورة الظنّ أيضاً ، لكنّه ليس كذلك ، فلذا لا يحكم بالبراءة حسبما قلنا (١).
فأنت تراه في هذا الوجه الثاني ملتزماً بالتقييد ومع ذلك لم يعزل العلم بالواقع عن كونه مبرئاً للذمّة. وذكر عين هذا الإشكال في الدليل الأوّل المختصّ به وأجاب عنه بجواب آخر غير مبنيّ على ما هو ظاهر ذلك الجواب من الالتزام بالتقييد وأنّ القطع بالواقع محصّل للقيد.
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.