بكلّ من الوجهين المذكورين ، بأن لم يحصل هناك طريق قطعي من الشارع يحكم معه بتفريغ الذمّة ، وانسدّ سبيل العلم بالواقع القاضي بالقطع بتفريغ الذمّة كذلك ، رجع الأمر بعد القطع ببقاء التكليف إلى الظنّ بتفريغ الذمّة في حكم الشارع حسبما عرفت ، وهو يحصل بقيام الأدلّة الظنّية على حجّية الطرق المخصوصة حسبما يقام الدليل عليها في محالّها ، من غير أن يكتفى في إفادة حجّيتها بمجرّد كونها مفيدة للظنّ بالواقع كما هو قضية الوجه الآخر ، الخ (١).
وأجلى عباراته في ذلك وأوضحها في بيان أنّ الشارع لم يقيّد المكلّفين بتحصيل القطع الوجداني بتكاليفه الواقعية ، واكتفى منهم بالعمل بالطرق التي جعلها لهم من دون أن يكون ذلك موجباً لسقوط القطع بالأحكام الواقعية لو اتّفق للمكلّفين حصوله ، هو ما فصّله في الأمر الرابع (٢) من الأُمور التي ساقها لبيان البحث عن الأدلّة ، وذلك قبل عبارته التي نقلناها سابقاً في أوّل أدلّته على ما رامه من حجّية الطريق بأربع أوراق ، وهو الذي أشار إليه بقوله : حسبما مرّ تفصيل القول فيه (٣) ، وقد نقله الشيخ قدسسره (٤) عنه ، إلاّ أنّه لطوله لم ينقله بتمامه ، فراجعه تجده صريحاً فيما ذكرناه من أنّ المقصود هو بيان عدم الانحصار ، وأنّ الشارع لم يكلّف عباده بتحصيل القطع الوجداني بأحكامه الواقعية ، بل سهّل عليهم ، وجعل لهم طرقاً سوّغ لهم العمل على طبقها ، وتلك الطرق موجبة للحصول على الحكم الشرعي ببراءة ذمّتهم بالعمل على طبقها.
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٣٥٣.
(٢) هداية المسترشدين ٣ : ٣٢٥.
(٣) هداية المسترشدين ٣ : ٣٥٢.
(٤) فرائد الأُصول ١ : ٤٥٥.