الاحتياط في الطرق بتمامها ، وانتقاله إلى العمل بما هو مظنون الطريقية فقط دون مشكوكها وموهومها ، يدلّ على أنّه يرى أنّ الاحتياط في تمام تلك الطرق موجب للعسر والحرج أو موجب لاختلال النظام ، وإلاّ كان اللازم هو الاحتياط التامّ في تمام تلك الطرق.
ولا يخفى أنّه يمكن الجواب من ناحية صاحب الفصول ، بأن يقال : يكفي في الانحلال تأثير العلم الاجمالي الثاني في تبعيض الاحتياط في أطرافه ، وهذا المقدار من الأثر للعلم الاجمالي الثاني كافٍ في كونه موجباً لانحلال العلم الاجمالي الأوّل ، وتحويل تبعيض الاحتياط عن أطراف العلم الاجمالي الأوّل إلى أطراف العلم الاجمالي الثاني. لكن صاحب الكفاية قدسسره لا يرى كون العلم الاجمالي الموجب للعسر والحرج مؤثّراً في تبعيض الاحتياط ، بل يقول إنّ العسر والحرج موجب لسقوط العلم الاجمالي عن التأثير بالمرّة ، لأنّ دليل العسر والحرج يكون رافعاً للتكليف الواقعي المعلوم في البين ، ومعه لا يبقى موجب لتبعيض الاحتياط.
ولأجل ذلك قال هنا : وعليه يكون التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية الظنّ بها حال انسداد باب العلم كما لا يخفى ، ولابدّ حينئذ من عناية أُخرى في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الاطاعة وعدم إهمالها رأساً كما أشرنا إليها الخ (١). وإنّما احتاج إلى العناية الأُخرى لأجل ما عرفت من أنّه بعد سقوط الاحتياط في أطراف كلّ من العلم الاجمالي الصغير والعلم الاجمالي الكبير لأجل العسر والحرج الموجب لسقوط التكاليف الواقعية ، لابدّ لنا من عناية أُخرى توجب علينا تبعيض الاحتياط ، وتلك العناية هي ما أشار إليها في شرحه
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣١٨ ـ ٣١٩.