لأنّا نقول : إنّ الاحتياط العقلي إن كان من ناحية العلم الاجمالي فالكلام إنّما هو مع قطع النظر عنه ، لأنّ كلامنا في الدليل الأوّل والثاني من أدلّة عدم جواز الاهمال. وإن كان الموجب له مجرّد الاحتمال ، فالعقل لا يراه منجّزاً بعد حكمه بقبح العقاب بلا بيان ، وليس مجرّد الحكم الشرعي بعدم الترخيص بياناً وحجّة عقلية ، لجواز أن يكون حكمه بعدم الترخيص الشرعي من جهة الإيكال إلى ما يحكم به العقل من قبح العقاب بلا بيان فتأمّل ، لما سيأتي (١) من إمكان كون الاحتمال بعد فرض الحكم الشرعي بعدم الترخيص منجّزاً. نعم سيأتي (٢) بطلان الاحتياط لما سيأتي من أنّ هذا الحكم العقلي بمنجّزية الاحتمال لابدّ من رفع اليد عنه ، للإجماع الآخر المدّعى على أنّ الشارع لا يريد امتثال أحكامه بطريق الاحتياط والاحتمال.
وعلى كلّ حال ، فبناءً على ذلك يكون هذا الحكم الشرعي الذي قام عليه الإجماع كاشفاً عن وجود الطريق الشرعي المصحّح لتنجّز الأحكام الواقعية ، ويكون المتعيّن أوّلاً هو الاحتياط لكونه واصلاً بنفسه ، لأنّه لا يحتاج في طريقيته إلى أزيد من جعله ، بخلاف الظنّ فإنّه يحتاج مع ذلك كلّه إلى مقدّمة أُخرى ، وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، وحيث يدور الأمر بين الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه ، يكون الأولى بالجعل هو الطريق الواصل بنفسه ، ولكن لمّا قام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط التامّ ، أو قامت الأدلّة الأُخرى الآتية (٣) إن شاء الله تعالى على عدم وجوبه من كونه موجباً للعسر والحرج ، أو كونه موجباً
__________________
(١) في الحاشية الآتية في الصفحة : ٢٨.
(٢) في هذه الحاشية.
(٣) في الحاشية الآتية في الصفحة : ١٥ وما بعدها.