جواز الاهمال ، وهكذا الحال في كون الاهمال موجباً للخروج من الدين الذي هو عبارة أُخرى عن لزوم الحكم بحرمته شرعاً ، فيكون الاحتياط عبارة عن نفس ذلك الحكم الشرعي ، هذا مع قطع النظر عن قيام الإجماع على عدم لزوم الاحتياط ، وإلاّ كان عدم جواز الاهمال الثابت بالدليلين المذكورين كاشفاً عن كون المنجّز الشرعي الموجب لعدم جواز الاهمال هو حجّية الظنّ ، فتأمّل فإنّه لا يخلو عن تأمّل بل عن اضطراب ، إذ كيف يمكن القول بأنّ الإجماع على عدم جواز الإهمال وعلى حرمة الإهمال هو عين وجوب الاحتياط ، مع فرض الإجماع على عدم وجوب الاحتياط شرعاً.
والأولى أن يقال : إنّ الاحتياط هو الأولى بالجعل لكونه هو الأقرب للواقع ، لكن لمّا قام الإجماع على عدم وجوبه ، وضممنا هذا الإجماع إلى الإجماع على عدم جواز الإهمال الذي لا يمكن إلاّمع وجود المنجّز الشرعي ، كان اللازم هو استنباط كون المنجّز الشرعي هو حجّية الظنّ ، فتأمّل.
ولعلّ المراد من كون الاحتياط طريقاً واصلاً بنفسه هو أنّه بعد أن ثبت من الإجماع والضرورة من الدين عدم تجويز الشارع إهمال الأحكام ، بمعنى ثبوت إرادتها من المكلّفين ولو في ذلك الحال أي الانسداد ، وعدم تنازله عنها وعدم ترخيصه فيها ، الكاشف (١) عن أنّه قد جعل لها ما ينجّزها من الطرق الشرعية المنجّزة لها.
لا يقال : إنّ الحكم الشرعي بعدم الترخيص ، وعدم تنازل الشارع عن أحكامه الواقعية لا يستكشف منه جعل الطريق الشرعي ، لإمكان إيكال الشارع المكلّفين إلى ما تحكم به عقولهم من الاحتياط.
__________________
(١) [ حقّ العبارة أن يقال : كان ذلك كاشفاً ... ].