القدرة على تقدير القول به ناشئاً عن ملاك آخر غير لزوم الاحتياط ، ولو من جهة أنّ العقلاء لا يرون الشاكّ في القدرة قبل الفحص معذوراً ، ونحو ذلك من الدعاوي التي تحتاج إلى إثبات ، فيكون وجوب الفحص عن القدرة نظير وجوب الفحص عن الدليل في أنّه بعد الفحص وبقاء الشكّ يكون المرجع هو البراءة.
وعلى أيّ حال ، فلا يمكن أن يكون حكمهم بلزوم الفحص دليلاً على لزوم الاحتياط في موارد الشكّ في القدرة حتّى لو تفحّص وبقي الشكّ بحاله ، الذي هو المدّعى في هذا المقام.
وأمّا ما أُفيد في الأصل من أنّ للعقل حكماً طريقياً في موارد الشكّ على طبق ما استقلّ به ... الخ (١).
ومثاله باب الضرر ، فإنّه كما يحكم العقل بلزوم دفعه حكماً نفسياً ، فكذلك يحكم بلزوم دفع المحتمل منه حكماً طريقياً ، ولكن أين هذا ممّا نحن فيه ، فإنّ ذلك الحكم الطريقي إنّما هو عند احتمال وجود الضرر المؤثّر ، ومن الواضح أنّ ما نحن فيه ليس من قبيل احتمال وجود الملاك المؤثّر ، وإنّما هو من قبيل احتمال تأثير الملاك لأجل احتمال عدم القدرة عليه ، فيكون ما نحن فيه من قبيل الضرر الموجود الذي يحتمل أنّه لا يؤثّر في لزوم الدفع ، لأجل جهة توجب عدم لزومه ومن الواضح أنّ العقل لا يحكم بلزوم دفعه لا نفسياً ولا طريقياً.
ثمّ لا يخفى أنّه لو قسنا ملاكات الأحكام بالموارد التي يستقلّ العقل بلزومها ، لانسدّ علينا باب البراءة العقلية ، لأنّ العقل يحكم حكماً طريقياً في موارد الشكّ على طبق ما استقلّ به ، فلو كانت ملاكات الأحكام من الأحكام التي يستقلّ العقل بلزوم موافقتها ، لكان احتمال الحكم الشرعي موجباً لاحتمال
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٥.