أُخرى عمّا ذكرناه من الوجوب الشرطي الذي هو كون ماء الوضوء طاهراً ، بل إنّ نفس وجوب الوضوء أيضاً شرطي لكونه شرطاً في الصلاة ، فلاحظ وتأمّل فإنّه دقيق نافع ، وقد تعرّضنا لذلك في آخر مباحث القطع الاجمالي فراجع (١) ، وفيما علّقنا على العروة الوثقى.
ولكن هذا كلّه إنّما يتمّ فيما لو كان الأمر بالمشروط وجوبياً ، بأن كان الوضوء في المثال واجباً ، أو كانت الصلاة في الأمثلة المذكورة واجبة ، أمّا لو كان الأمر المذكور استحبابياً كالوضوء للكون على الطهارة أو مقدّمة لفعل استحبابي ، ففيه إشكال ، إذ لا يكون في البين تكليف إلزامي على كلّ حال ، إلاّ أن نلتزم كما هو غير بعيد في المخالفة العملية الموجبة لسقوط الأُصول غير الاحرازية بالاكتفاء بالمخالفة العملية ولو لتكليف غير الزامي ، فلاحظ وتأمّل.
والذي تلخّص من هذا المبحث : هو أنّ لنا فرعين ، أحدهما الماء الواحد المردّد بين النجاسة والغصبية ، والآخر الاناءان الأصغر والأكبر مع العلم الاجمالي بنجاسة الأصغر أو غصبية الأكبر ، والمرحوم الشيخ محمّد طه قدسسره أجاز الوضوء من الاناء في المثال الأوّل ، وحينئذ يكون الحكم بجواز الوضوء من الاناء الأصغر في المثال [ الثاني ] بطريق أولى. كما أنّ غيره قد منعوا من الوضوء من الاناء الأصغر في المثال [ الثاني ] ، ويكون منعهم من الوضوء من الاناء في المثال الأوّل بطريق أولى.
ولا يخفى أنّ الكلام في هذين الفرعين إنّما هو بعد فرض كون المرجع في احتمال الغصبية في الماء إلى أصالة الحل ، وإلاّ فلو قلنا بانقلاب [ الأصل ] في الأموال كالدماء ، فكان الأصل في احتمال الغصبية هو الاحتياط بالاجتناب ،
__________________
(١) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٢٣٧ وما بعدها.