يكون امتثالها بطريقة الاحتياط حرجياً ، ألا ترى أنّ نفس السفر المفروض كونه واجباً وأنّه معلوم الوجوب تفصيلاً ، لو كان حرجياً لم يتوقّف اتّصاف ذلك الوجوب بالحرجية (١) على امتثاله ، بل هو فعلاً قبل السعي لامتثاله حرجي ، فيرتفع الوجوب المتعلّق به ، وحينئذ ففيما نحن فيه تكون التكاليف الواقعية المعلومة بالاجمال حرجية فعلاً ، فترتفع بدليل نفي الحرج ، فله فعلاً أن يخالف الاحتياط فيها ولو تدريجاً إلى أن يرتفع حرجه ، فيلزمه الاحتياط في الباقي لبقاء العلم الاجمالي بالتكليف بين أطرافه.
لكن هذه الطريقة غير نافعة فيما نحن فيه ، لأنّ مخالفة الاحتياط في أوائل الزمان لا توجب رفع حرجيته في الأزمنة التالية.
أمّا إقدامه من الأوّل على تقسيم هذه الشبهات الآتية تدريجاً إلى مظنونات ومشكوكات وموهومات ، وتقريره على نفسه أن يحتاط في المظنونات ويسقط الاحتياط في البواقي ، فلا وجه له على الظاهر ، لأنّ مجرّد هذا التقسيم والتقرير لا يخرج تلك التكاليف عن كونها حرجية فعلاً قبل ارتكاب ما به يرتفع الحرج.
مضافاً إلى أنّ المشكوكات والموهومات لعلّها أكثر من المعلوم الاجمالي بحيث لا يبقى علم إجمالي في المظنونات. وإن شئت فقل : إنّ ما يندفع به الحرج لعلّه مساوٍ أو أكثر من التكاليف الواقعية ، فلا يكون في البواقي علم إجمالي.
نعم ، هناك طريقة أُخرى ، وهي أن يقال : إنّ ذلك التكليف الواقعي يكون متّصفاً بالحرجية إن سلكنا الاحتياط التامّ في طريق امتثاله ، وليس بحرجي إن سلكنا هذه الطريقة في كيفية الامتثال.
وبعبارة أُخرى : أنّ تلك التكاليف الواقعية ليست بنفسها حرجية ، وإنّما
__________________
(١) [ في الأصل هنا زيادة : متوقّفاً ، حذفناها لاستقامة العبارة ].