عرضت لها صفة الحرجية بواسطة اقتضائها ، ويختلف حينئذ مقدار اقتضائها ، فربما كانت مقتضية للاحتياط التامّ ، وربما كانت مقتضية لمقدار من الاحتياط وهي في الاقتضاء الأوّل حرجية دون الثاني ، فإن سلكنا في طريق امتثالها الاحتياط التامّ ، كانت بهذا المقدار من الاقتضاء حرجية ، لكن لو سلكنا طريقة التبعيض المذكورة لم يكن اقتضاؤها لذلك المقدار حرجياً فلا ترتفع ، ولا ريب أنّ تلك المرتبة من الاقتضاء الكلّي إنّما هي من جانب الشارع ، فيجري فيه نفي الحرج.
ولعلّ هذا هو المراد من قول شيخنا قدسسره : لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها (١) ، وكذلك قوله فيما حكاه عنه السيّد سلّمه الله من قوله : بل لازم شمولها هو ارتفاع الأحكام بمقدار الحرج لا أزيد (٢).
بل لعلّه هو المراد فيما أجاب به ثانياً (٣) ممّا ظاهره إجراء نفي الحرج في الحكم العقلي بوجوب الاحتياط التامّ لكونه برعاية الواقع الشرعي ، بأن يكون مراده قدسسره هو إجراء نفي الحرج في نفس الأحكام الواقعية بمقدار اقتضائها الاحتياط التامّ ، لا في نفس وجوب الاحتياط عقلاً ، فتأمّل.
ولكن هذه الطرق كلّها من محض التصوّر ، وليس الواقع إلاّما لدينا من العلم الاجمالي المتعلّق بتلك التكاليف الواقعية من تحريم وإيجاب ، المردّدة بين تلك الشبهات الكثيرة التي يكون الابتلاء بها تدريجياً ، فعلى المكلّف حينئذ أن يعامل تلك الشبهات معاملة ما علم فيه التكليف تفصيلاً ، وأن يجري في كلّ شبهة
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٥٦.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٢٣٥.
(٣) فوائد الأُصول ٣ : ٢٥٨.