قلت : قد عرفت أنّه يمكن القول فيما نحن فيه بكون التخيير ثبوتياً ، نظراً إلى أنّ الترخيص لمّا كان مشروطاً بأن لا يكون ترخيصاً في المعصية ، وكان الترخيص في أحد الطرفين عند الترخيص بارتكاب الآخر ترخيصاً في المعصية ،
__________________
في الخارج ، إلاّ أنّ المعلوم المنجّز يسري إلى الخارج ، ومعه لا يكون قابلاً للترخيص فيه أو الحكم الفعلي بخلافه إلاّبدليل خاصّ يكون كاشفاً عن جعل البدل في الطرف الآخر ، ولا يكفي فيه مجرّد عمومات الأُصول الترخيصية كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وإن شئت فافرض آنية صغرى تحتمل أنّها خمر بالشبهة البدوية وآنية كبرى معلومة الخمرية تفصيلاً ، وهناك آنيتان يعلم إجمالاً بخمرية إحداهما ، فهل ترى من وجدانك أنّ حال الخمر في الأخيرتين حال [ الخمر ] في الأُولى ، أو أنّه حال الخمر في الثانية ، فإن كان الأوّل كان محصّله أنّ العلم الاجمالي لا يكون مؤثّراً أصلاً ، وإن كان الثاني كان محصّله أنّ الخمر الموجود بين الاثنين حاله في المنع وعدم الترخيص واستحقاق العقاب حال الخمر المعلوم تفصيلاً ، ولازمه أنّ ترك ذلك الخمر الموجود لازم فعلاً ، وأنّه غير مرخّص في شربه أصلاً ، فيكون شربه موجباً للعقاب بأيّ طرف كان ، وذلك عبارة أُخرى عن لزوم الموافقة القطعية ، فالعقل إن حرّم المخالفة فقد أوجب الموافقة ، ولا يمكنه التفكيك بينهما.
وأمّا قولهم إنّه يحرّم المخالفة القطعية ولا يوجب الموافقة القطعية ، فالظاهر أنّه لا محصّل له إلاّ أنّه يحرّم القطع بالمخالفة ولا يوجب القطع بالموافقة ، ومن الواضح أنّ نفس القطع في المقام لا يوجبه العقل ولا يحرّمه. نعم ربما ألزمنا العقل بتحصيل اليقين بالفراغ عند الشكّ في الامتثال بعد فرض العلم بالاشتغال ، ولكن ذلك عبارة أُخرى عن التحذير عن المخالفة التي حرّمها والحثّ على الموافقة التي أوجبها. نعم يمكن أن يقال : إنّ مرادهم هو أنّه لا ريب في حرمة المخالفة ، وإنّما الإشكال في كون المقام من قبيل لزوم الفراغ اليقيني أو أنّه يكفي الفراغ الاحتمالي ، والمختار الأوّل كما عرفت برهانه [ منه قدسسره ].