كان الترخيص في كلّ منهما مشروطاً بعدم ارتكاب الآخر. كما أنّه يمكن القول بكون الترخيص إثباتياً ناشئاً من الجمع بين الأدلّة ، لأنّه بعد فرض أنّه لا يمكن انطباق عموم الترخيص على كلّ من الطرفين ، لكونه موجباً للترخيص بالمعصية المعبّر عنه بالمخالفة القطعية ، كان اللازم هو التصرّف في ذلك العام ، إمّا بصرفه عن أحدهما وهو المنتهي إلى التعارض والتساقط ، أو تقييد إطلاقه في كلّ منهما بعدم ارتكاب الآخر وهو المنتهي إلى التخيير في الترخيص. وقد قيل بأولوية الثاني لأنّه أقل تخصيصاً ، أو لأنّ التخصيص الأحوالي أولى من التخصيص الأفرادي ، أو لأنّ التقييد مقدّم على التخصيص ، والنتيجة واحدة وهي قلّة التخصيص ، وقد عرفت فيما حرّرناه أنّ في البين وجهاً آخر للتقدّم ، وهو الوجه الذي أفاده قدسسره في التقييد في المتزاحمين ، وحاصله أنّ الممنوع عنه إنّما جاء من إطلاق أحدهما لما إذا ارتكب الآخر ، فيكون ذلك الاطلاق هو المرتفع ، فلاحظ وتأمّل.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أُفيد عن شيخنا قدسسره في التقريرات المطبوعة في صيدا بقوله : فإنّ إمكان التقييد يستلزم إمكان الاطلاق ، لأنّ التقابل بينهما من قبيل الاعدام والملكات الخ (١) لما هو مقرّر في محلّه من أنّ امتناع الاطلاق لجهة تخصّه ، وهي كونه موجباً للتكليف بغير المقدور ، أو كونه من قبيل الترخيص في المعصية ، لا يوجب عدم إمكان التقييد المفروض كونه رافعاً للمحذور المذكور المترتّب على الاطلاق ، وإلاّ فكيف ساغ لشيخنا قدسسره أن يدفع محذور الاطلاق في الأمرين المتزاحمين بتقييد كلّ منهما بعدم امتثال الآخر.
كما أنّه يظهر ممّا تقدّم التأمّل فيما أُفيد عنه قدسسره بقوله : وتوهّم ـ إلى قوله ـ
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٢١.