نفس التكليف الواقعي بعد فرض كونه مشروطاً بالقدرة (١)
__________________
(١) وقد يتوهّم التفرقة بين التزاحم مثل الغريقين وبين ما نحن فيه ، فإنّه في التزاحم يكون مأموراً بكلّ منهما إلاّ أنّه لما [ لم ] يكن قادراً على الجمع بينهما ، فالعقل يلزمه بأحدهما ، بخلاف ما نحن فيه فإنّه إذا كان الجمع بين الأصلين غير جائز عقلاً لكونه موجباً للمخالفة القطعية ، فلا موجب لاجراء الأصل في أحدهما دون الآخر.
والجواب عنه : أنّا لا نحتاج في التخيير إلى الالزام ، بل يكفي فيه عدم إمكان الجمع بينهما ، وذلك ـ أعني عدم إمكان الجمع بينهما ـ كافٍ في التخيير بينهما ، فيجوز له إجراء الأصل في أحدهما المعيّن دون الآخر. ولا يرد عليه سوى كونه ترجيحاً بلا مرجّح ، لأنّ هذا ـ أعني لزوم الترجيح بلا مرجّح ـ لازم حتّى في صورة التزاحم وإلزام العقل بأحدهما ، بل هو جار حتّى في صورة التخيير الشرعي بينهما ، لأنّه بعد أن كان ملزماً بأحدهما أو كان مخيّراً بينهما شرعاً ، يكون اختياره لهذا دون ذاك ترجيحاً بلا مرجّح ، فما هو الجواب عنه هناك هو الجواب عنه هنا ، بل هو جار حتّى في الاناءين المعلوم طهارة كلّ منهما ، حتّى لو لم يكن مضطراً إلى شرب أحدهما ليكون من قبيل رغيفي الجائع وطريقي الهارب من الأسد ، بل هو جار فيما لو كان شربه لأحدهما تشهّياً منه لا لعطش ونحوه من أسباب الاضطرار ، بل لم يكن في البين إلاّمجرّد أنّه يريد الإقدام على أحد المتساويين ، أترى أنّ باب الإقدام على أحد المتساويين ينسدّ إلاّ إذا كان مضطرّاً إلى ارتكاب أحدهما ، أو إلاّ إذا كان أحدهما أرجح من الآخر.
وبالجملة : أنّ النقض على ما يدّعى من قبح الترجيح بلا مرجّح لا ينحصر بموارد الاضطرار كرغيفي الجائع وطريقي الهارب ، بل [ كما ] يتحقّق النقض بذلك ، فكذلك يتحقّق النقض بالإقدام على أحد المتساويين تشهّياً منه بلا اضطرار يوجب عليه ذلك ، فلاحظ وتدبّر.
وبالجملة : أنّ الترجيح بلا مرجّح وإن قلنا بعدم صدوره من الحكيم ، كما في إيجاده الشيء الممكن الذي يكون وجوده وعدمه غير ضروري أو إبقائه على العدم ، فإنّ