كان برعاية الأحكام الشرعية ، كان ذلك مصحّحاً لجريان دليل الحرج فيه ، كما أفاده في مقام الايراد ثانياً على صاحب الكفاية قدسسره بقوله : وثانياً : أنّه يمكن أن تكون أدلّة نفي العسر والحرج حاكمة على نفس الحكم العقلي بالاحتياط الخ (١) ففيه تأمّل ، وكيف يكون قوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(٢) رافعاً للحكم العقلي بالاحتياط مع فرض كونه مسوقاً لرفع الحكم الشرعي الحرجي ، إلاّبنحو ما في الكفاية (٣) من تسليطه النفي على نفس الحكم الشرعي ، باعتبار كونه عند الجهل به موجباً للوقوع في الحرج بواسطة حكم العقل بالاحتياط ، وحينئذ يسقط الاحتياط بتاتاً ، أو بنحو ما أفاده هو قدسسره في توجيه جريان نفي الحرج بما شرحناه في الشبهات التدريجية والشبهات الدفعية.
ثمّ لا يخفى أنّ النتيجة على ما شرحناه في الشبهات التدريجية وإن كانت هي تبعيض الاحتياط ، لكنّه ليس بحسب الظنّ والشكّ والوهم ، بل بحسب ما يبتلى به أوّلاً فأوّلاً ، فيلزمه الاحتياط فيه وإن علم أنّه يبتلى بعد ذلك بغيره ، إلاّ أنّه فعلاً لمّا لم يكن الاحتياط في هذه الأوائل حرجياً ، لم يكن له إسقاط الاحتياط فيها ، بل عليه أن يحتاط فيها وإن كان احتمال التكليف فيها موهوماً ، إلى أن يصل إلى درجة يكون الاحتياط فيما يأتي حرجياً ، فيتركه في ذلك الباقي ، ويكون من قبيل الاضطرار إلى المعيّن ، وإن عاد الحرج عاد إلى ترك الاحتياط.
وأمّا الشبهات الدفعية فقد عرفت أنّها خارجة عمّا نحن فيه ، لأنّ شبهاتنا عند الانسداد تدريجية الابتلاء ، إلاّ أنّه مع ذلك يكون من قبيل الاضطرار إلى غير
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٥٨.
(٢) الحج ٢٢ : ٧٨.
(٣) كفاية الأُصول : ٣١٣.