رأساً ، شعر بلا ضرورة ، بل لازم شمولها هو ارتفاع الأحكام بمقدار الحرج لا أزيد (١).
قلت : إنّ نفي الحرج بعد أن تسلّط على الحكم الواقعي كان مقتضاه هو رفعه من أصله ، ومعه لا مجال للاحتياط أصلاً ، ولا وجه لتبعيضه. ودعوى كون رفع الحرج مسلّطاً على نفي ذلك الحكم بمقدار الحرج لم يعلم وجهه ، فإنّ نفس الحكم الواقعي المفروض كونه حرجياً ولو بواسطة الجمع بين محتملاته ليس بذي مراتب ، كي نقول إنّه ارتفع منه المرتبة المقتضية للحرج وبقيت بقيّة مراتبه ولو أُريد من ذلك رفع اقتضائه للحرج لا رفعه بنفسه ، كان ذلك عبارة أُخرى عن إجراء نفي الحرج في حكم العقل بلزوم الاحتياط ، فإنّ هذا الحكم العقلي عبارة أُخرى عن كون الحكم الواقعي مقتضياً للحرج ، الذي هو الجمع بين محتملاته.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أُفيد في هذا التحرير في وجه التبعيض بقوله : وحاصله لزوم رعاية التكاليف بالمقدار الممكن عقلاً ، لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها الخ (٢) فإنّ ذلك إنّما يقال إذا كانت أدلّة الحرج متوجّهة إلى الحكم العقلي بلزوم الاحتياط ، والمفروض خلافه ، وإنّما توجّهت إلى الحكم الشرعي الواقعي الموجود فيما بين الأطراف ، فيكون المرتفع هو نفس ذلك الحكم الواقعي الشرعي ، ومع ارتفاعه لا يبقى مجال لوجوب الاحتياط في الباقي فتأمّل.
وأمّا ما أفاده شيخنا قدسسره في توجيه جريان نفي العسر والحرج في نفس الجمع بين المحتملات ، باعتبار كونه رعاية للأحكام الواقعية الشرعية وإن لم يكن هو بنفسه ـ أعني ذلك الجمع ـ واجباً شرعياً بل كان واجباً عقلياً ، إلاّ أنّه لمّا
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٢٣٥.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٢٥٦.