يختاره المكلّف أنّ التكليف لو كان فيه لكان ذلك موجباً للعسر والحرج ، إذ لا يكون ذلك التكليف الموجود فيه موجباً للعسر والحرج. نعم لو كانت الشبهات وجوبية وقد احتاط المكلّف بفعل كثير منها إلى حدّ يكون احتياطه في الباقي حرجياً عليه ، لقلنا يسقط الاحتياط في الباقي ، لأنّه لو كان فيه تكاليف وجوبية لكانت بنفسها حرجية بعد أن احتاط وفعل الكثير ممّا يحتمل وجوبه.
وهكذا الحال في التروك في الشبهات التحريمية التدريجية ، لو كان احتياطه في مقدار كثير منها قد وصل إلى حدّ لو ترك الباقي يقع في العسر والحرج ، بل لو علم تفصيلاً بوجوب الباقي في الصورة الأُولى أو بحرمته في الصورة الثانية لجاز له المخالفة فيه ، لكونه مورداً للحرج.
وهكذا الحال فيما لو كانت الشبهات مختلفة فبعضها وجوبية وبعضها تحريمية كما فيما نحن فيه ، فإنّ على المكلّف أن يحتاط في كلّ شبهة ترد عليه إلى أن يبلغ حدّ الحرج فيسقط الاحتياط حينئذ.
والأولى بل المتعيّن هو أن يعامل هذه الشبهات معاملة ما علم فيه التكليف تفصيلاً ، فأيّ شبهة ابتلي بها منها يلزمه الجري على طبق ما يحتمله من التكليف فيها إن لم يكن ذلك حرجياً ، فإذا اتّفق الحرج في الجري على بعضها ولو من جهة مسبوقيته بالاحتياط في غيرها ، سقط الاحتياط فيها ، ثمّ بعد هذا لو ابتلي بغيرها أو تكرّر له الابتلاء بنفس تلك الشبهة السابقة التي لم يحتط فيها ، واتّفق أن كان الاحتياط فيما تجدّد له منها أو من غيرها غير موجب للحرج ، كان عليه الاحتياط فيما تجدّد وإن مرّت عليه سابقاً ولم يكن قد احتاط فيها لكون الاحتياط فيما مرّ حرجياً ، وعلى هذا لا تصل النوبة إلى الاحتياط المخلّ بالنظام ، ولا إلى التبعيض بحسب الاحتمالات الظنّية والشكّية والوهمية.