أمّا لو كانت الشبهات التحريمية دفعية ، كما في الأواني الكثيرة التي يكون اجتنابها جميعاً حرجياً ، ولابدّ له في دفع الحرج من ارتكاب البعض ، فإنّ أيّ بعض منها يرتكبه لا يكون التكليف الواقعي حرجياً لو كان فيها كي يسوغ له ارتكابه بدليل نفي الحرج.
إلاّ أن نقول : إنّه بعد أن كان تركها جميعاً حرجياً عليه ، كان مضطراً إلى ارتكاب بعضها ، لما سيأتي منه من قوله : بل العسر والحرج من أفراد الاضطرار ، فإنّه لا يعتبر في الاضطرار عدم القدرة التكوينية على الاحتياط الخ (١).
وكيف كان ، أنّ هذا الفرض الأخير خارج عمّا نحن فيه ، لما هو واضح من أنّ الابتلاء بالشبهات فيما نحن فيه لا يكون إلاّتدريجياً. مضافاً إلى إمكان [ جريان ] دليل نفي الحرج فيه أيضاً ، بأن نقول : إنّ منعه من ارتكاب هذا الذي اختاره لدفع الحرج حرجي ، فيكون ذلك المنع الواقعي لو كان موجوداً فيه حرجياً ، على حذو تطبيق دليل الاضطرار على ما يختاره المكلّف في صورة الاضطرار إلى غير المعيّن.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما ذكره في الكفاية (٢) من عدم جريان دليل العسر والحرج في نفس الجمع ، أعني وجوب الاحتياط بحكم العقل ، لعدم كونه جارياً في الأحكام العقلية ، ولو أجريناه في الحكم الواقعي الذي لزم الحرج من الجمع بين محتملاته كان مقتضاه سقوط ذلك التكليف المعلوم بالاجمال ، وسقوط الاحتياط بالمرّة ، فلا وجه للتبعيض ، لما عرفت من إمكان جريانه فيما بقي بعد الوصول في الاحتياط إلى درجة العسر والحرج في الشبهات التدريجية
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) كفاية الأُصول : ٣١٣.