__________________
المقام بعد فرض كون حرمة المخالفة القطعية ساقطة فيه لعدم التمكّن منها ، لا يكون التخيير فيه بحكم العقل فراراً من المخالفة ، بل لا يكون إلاّبحكم الطبع ، فإنّ التخيير العقلي تارةً يكون ناشئاً عن التزاحم مع العلم بأن كلاً من الغريقين واجب الإنقاذ ، مع فرض عدم تمكّن المكلّف من الجمع بينهما ، وفرض عدم رجحان إنقاذ أحدهما على الآخر ، وهذا لا دخل له فيما نحن فيه ، وهو واضح.
وتارةً يكون التخيير العقلي ناشئاً عن العلم الاجمالي بوجوب إنقاذ أحدهما وإباحة إنقاذ الآخر مع فرض عدم إمكان الجمع ، ففي هذه الصورة يحكم العقل بلزوم إنقاذ أحدهما تخييراً ، فراراً من لزوم المخالفة القطعية لو تركهما معاً ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لما عرفت من عدم القدرة على المخالفة القطعية ، فلا يكون التخيير فيه بين الفعل والترك بحكم العقل فراراً عن المخالفة القطعية ، بل لا يكون ذلك إلاّبحكم الطبع ، بمعنى أنّ هذا التردّد لا يحكم فيه العقل بالتخيير ولا الشرع ، بل هو حاصل قهراً على المكلّف ، فهذا ليس له وظيفة عقلية ولا وظيفة شرعية ، أمّا الاحتياط فلما عرفت من عدم إمكانه ، وأمّا التخيير بين الفعل والترك فلما عرفت من أنّه قهري على المكلّف.
والحاصل : أنّ المانع من الاحتياط والتخيير في المقام هو عدم المعقولية فيهما ، من دون نظر إلى مصادمة العلم الاجمالي ، وفي الحقيقة يكون الحاصل هو إنكار أصالة التخيير ، وتكون الأُصول منحصرة في ثلاثة : الاستصحاب والبراءة والاحتياط ، فإنّ ما ذكروه لمجرى أصالة التخيير هو دوران الأمر بين المحذورين ممّا كان جنس التكليف فيه معلوماً ولم يمكن فيه الاحتياط ، ومن الواضح أنّه لا مجرى فيه للاستصحاب ولا للاحتياط ولا للبراءة ، وبعد عدم إمكان جريان أصالة التخيير فيه تبقى أصالة التخيير بلا مورد ، كما أنّه لو تمّ ما تقدّمت الاشارة إليه ويأتي البحث عنه في الأمر الثاني من كون المقام من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير ، لكان ذلك موجباً لسقوط أصالة