الجهتين ، سقط الاحتياط في أحد الطرفين ، وتعيّن التخيير بين الفعل والترك ، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى في الأمر الثاني (١).
وعلى كلّ حال ، نحن لو احتملنا أنّ الشارع ألزمنا في مسألة الدوران بين المحذورين بالاحتياط في جانب الترك فقط ، يمكننا إجراء البراءة العقلية والشرعية في نفي هذا الاحتمال ، ويمكننا أيضاً إجراء استصحاب العدم فيه ، ولا يعارض ذلك بما في طرف جانب الفعل ، إذ المفروض أنّ الاحتياط في جانبه مقطوع العدم. وهكذا الحال في جانب الوجود لو احتملناه فقط.
نعم ، لو كان الاحتياط محتملاً في كلّ من الجانبين ، كانت المسألة كأصلها من دوران الأمر بين المحذورين ، من دون فرق في ذلك بين العلم بأنّ الشارع أوجب الاحتياط في أحد الجانبين وحصل التردّد بينهما ، وبين أن لا يكون إلاّ احتمال الاحتياط في كلّ منهما.
وينبغي أن يعلم أنّا لا نريد أن ندّعي الجزم بأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، بل أقصى ما ندّعيه هو الاحتمال ، وإمكان أن يكون الشارع المقدّس قد أمر بالاحتياط في جانب الترك ، لأجل أنّه يرى أنّ دفع المفسدة المحتملة أولى من جلب المصلحة المحتملة. ومرادنا من المفسدة والمصلحة في المقام هي ملاكات الأحكام ، لا خصوص المصالح والمفاسد الدنيوية أو الشخصية المعبّر عنها بالنفع والضرر الراجع إلى شخص الفاعل.
وأيضاً لا ندّعي هذا الاحتمال في جميع موارد التقابل بين الواجب والحرام ، لكي يرد علينا أنّه رُبّ واجب أهم من ترك الحرام ، بل إنّا نقول : إنّ هذا الفعل الخاصّ الذي تردّد بين كونه واجباً أو حراماً من الممكن أن تكون المفسدة
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٤٥٠.