الاتيان بالفعل الآخر (١) وإن كان هذا الأخير محلّ تأمّل ، لأنّ الملاكين لو كان كلّ منهما في حدّ نفسه تام الملاكية ، غير أنّه لا يمكن استيفاؤه مع استيفاء الآخر ، يكون كلّ منهما باعثاً للمولى على إيجاد الحكم على طبقه مقيّداً بقاؤه بعدم الآخر ، ولا يعقل أن ينبعث المولى عن أحدهما بإيجاد طلب أحد الفعلين ، فإنّ طلب المولى وإن أمكن تعلّقه بإيجاد أحد الفعلين ، بخلاف الإرادة التكوينية من العبد ، إذ لا يصحّ تعلّقها بإيجاد أحد الفعلين ، إلاّ أنّ نفس جعل المولى الطلب الناشئ عن أحد الملاكين ، يكون من هذه الجهة حاله حال الإرادة التكوينية في أنّها لا يعقل أن تنشأ عن أحد الملاكين.
وبالجملة : أنّ هذا الطلب الواحد المتعلّق بأحد الفعلين لا يعقل أن يكون ناشئاً عن أحد الملاكين ، فإنّه من هذه الجهة كالفعل الواحد الصادر عن أحد الباعثين ، فكما نقول بمحالية صدور الفعل الواحد عن أحد الباعثين ، فكذلك ينبغي أن نقول بمحالية صدور الطلب الواحد من المولى المتعلّق بأحد الفعلين عن أحد الملاكين ، بل لابدّ في ذلك من صدور طلبين يتعلّق أحدهما بأحد الفعلين معيّناً والآخر بالآخر ، ويكون بقاء كلّ منهما مشروطاً بعدم الاتيان بالآخر. ويمكن أن تكون ملاكية أحد الملاكين مشروطة بعدم وجود الفعل الآخر ، فيكون اشتراط العدم اشتراطاً في أصل حدوث الطلب وفي بقائه بعد تحقّق حدوث الطلب وتعلّقه بكلّ منهما.
وعلى كلّ حال ، يكون المنشأ طلبين لا طلباً واحداً متعلّقاً بأحدهما ،
__________________
(١) هذا حاصل ما أفاده شيخنا قدسسره فراجع تحريرات السيّد ص ١٥٥ وتحريرات المرحوم الشيخ محمّد على ص ١٣٠ من مبحث الواجب التخييري [ منه قدسسره. راجع أجود التقريرات ١ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ وفوائد الأُصول ١ ـ ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٣٤ ].