أمّا لو كان هناك مصلحتان متضادتان لا يمكن الجمع بينهما في الخارج مع كون كلّ منهما ملزمة في نفسها ، فقد حكم في التحرير المذكور بسقوط احتماله ، وأنّ فرض وجود الملاكين فرض نادر موهوم بعيد عن الأذهان ، وقد مثّل لذلك بمسألة ما لو كان لنا دليلان دلّ أحدهما على وجوب الظهر والآخر دلّ على وجوب الجمعة ، وقام دليل خارجي على عدم وجوب كليهما معاً ، فلابدّ من أحد التقييدين الخ (١) فإنّ ذلك وإن كان من باب التعارض الطارئ الناشئ عن الإجماع مثلاً على عدم الفريضتين في يوم واحد ، فيكون المرجع فيه هو أحكام التعارض ، لا تقييد كلّ منهما بعدم الأُخرى بمفاد إن الشرطية ، أو التقييد بمفاد لفظ « أو » التخييرية ، إلاّ أنّه لو جمعنا بينهما بحسب الدلالة بالحمل على الوجوب التخييري ، دخلت المسألة فيما نحن فيه ، وهذا هو مراد شيخنا قدسسره ، وهاك نصّ ما حرّرته عنه قدسسره وهو قولي : وربما كان الواجب التخييري مردّداً بينهما كما لو ورد الأمر بصلاة الجمعة يومها ، وورد أمر آخر بصلاة الظهر ، وقام الإجماع على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد ، وجمعنا بين الأمرين بحمل كلّ منهما على الوجوب التخييري الخ ، وكأنّ هذه الجملة قد سقطت من قلم المحرّر.
وعلى كلّ حال ، فإنّ التخيير لو كان ناشئاً عن تزاحم الملاكين في مقام الجعل لا يكون منتجاً لايجاب كلّ منهما مشروطاً في مقام الحدوث بعدم الآخر ، كي يكون المرجع عند الاتيان بأحدهما هو البراءة من الآخر كما أفاده بقوله : وعليه يكون وجوب كلّ منهما عند عدم الاتيان بمتعلّق الآخر الخ (٢) بل يكون الاشتراط المذكور واقعاً في مقام البقاء ، كما أفاد في هذا الكتاب بقوله : فالتقييد
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٨١.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٣٨٢.