قوله : ولا يبعد أن يكون الوجه الثاني أقرب ـ كما عليه المشهور ـ حيث إنّ بناءهم في الفقه على التسامح في أدلّة السنن ، وقد عرفت أنّ ظاهر العنوان لا ينطبق إلاّعلى القول بالغاء شرائط الحجّية في الخبر القائم على استحباب الشيء ... الخ (١).
لا يخفى أنّه قدسسره في الدورة الأخيرة قد اختار الوجه الثالث ، وهو الحكم بالاستحباب على نحو الموضوعية ، فراجع ما حرّرته عنه قدسسره وما حرّره عنه السيّد سلّمه الله في الدورة الأخيرة. ولم أعرف الوجه في عدم التغيير في هذا التحرير ، مع أنّه قد طبع سنة إحدى وخمسين ، وكان اشتغاله قدسسره في الدورة الأخيرة في هذه المسألة في رجب سنة تسع وأربعين.
وكيف كان ، فإنّ ملخّص ما أفاده قدسسره حسبما حرّرناه عنه قدسسره في اختيار الوجه الثالث ، هو أوّلاً : أنّ هذه الجمل في الأخبار وإن كانت في حدّ نفسها ناظرة إلى حال ما بعد العمل ، إلاّ أنّ قرينة سياقها يعطي النظر إلى ما قبل العمل ، فإنّها في سياق الحثّ على العمل والترغيب فيه بإحداث الداعي على العمل ، فتكون بواسطة هذه القرينة السياقية ناظرة إلى حال ما قبل العمل ، وحينئذ يدور أمرها بين الوجه الثاني وهو جعل الحجّية ، والوجه الثالث وهو جعل الاستحباب على نحو الموضوعية ، وحيث إنّ جعل الحجّية للخبر الضعيف يقتضي إلغاء احتمال الخلاف ، وهو لا يناسب فتح باب احتمال الخلاف الذي أفادته الروايات بقوله : « وإن لم يكن الأمر كما بلغه » (٢) كانت هذه الجمل بمنزلة القرينة على أنّ المتكلّم في تلك الأخبار ليس بصدد جعل الحجّية ، بل هي بصدد بيان أمر آخر لا يتنافى مع
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٤١٥ ـ ٤١٦.
(٢) وسائل الشيعة ١ : ٨٢ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١٨ ح ٩.