يكون هو المستند في عدم جواز الرجوع إلى الأُصول النافية الكثيرة ، فتأمّل.
ثمّ لا يخفى أنّه بناءً على ما ذكرناه لا يكون دليل الانسداد إلاّعبارة عن العلم الاجمالي بالتكاليف ، وأنّه ليس لنا طريق في الخروج عن العهدة إلاّ الاحتياط التامّ لكنّه لأجل اختلال النظام أو العسر والحرج وجب إسقاطه بمقدار ما يرتفع به المحذور المذكور ، وحينئذ يشكل الأمر في تعيين المظنونات دون غيرها ، فإنّ الابتلاء بتلك الموارد المحتمل وجود التكليف فيها تدريجي حتّى بالنسبة إلى الفقيه الذي شغله الاستنباط ، وعليه فيكون اللازم أوّلاً هو الأخذ بالاحتياط في كلّ مورد يبتلى به وإن كان احتمال التكليف فيه مشكوكاً أو موهوماً ، إلى أن يصل الاحتياط إلى حدّ يوجب المحذور السابق الذي أوّل درجاته هو لزوم الحرج ، فيترك الاحتياط حينئذ في الموارد التي يحصل له الابتلاء بها بعد ذلك وإن كان احتمال التكليف فيها مظنوناً ، وحينئذ لا تصل النوبة إلى كون الاحتياط مخلاًّ بالنظام.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الفقيه أوّل دخوله في الاستنباط يلتفت إلى جميع محتملات التكليف ولو على سبيل الإجمال ، ويلتفت أيضاً إلى أنّ الاحتياط في جميع تلك الموارد مشتمل على المحذور المذكور ، فإذا التفت مع ذلك إلى أنّ جملة من تلك الموارد مظنونة ولو بواسطة التفاته الاجمالي إلى ما في الكتب من الأخبار وباقي الأمارات ، وأنّ تلك الموارد ممّا يحصل له الظنّ بوجود التكليف فيها عند مراجعتها ، فهو من أوّل الأمر يحكم عقله بالاحتياط في خصوص تلك الموارد فتأمّل ، وسيأتي (١) ما يوضّح بعض هذه الجهات إن شاء الله تعالى (٢)
__________________
(١) في الحاشية الآتية في الصفحة : ٣٤.
(٢) يبتني دليل الانسداد على اجماعات منقولة متضاربة.