من ناحية الاستحباب هو حدّه الراجع بالنسبة إلى الترك إلى عدم المقتضي ، ويكون ذلك المقدار من الطلب الذي يشتمل عليه الندب مندكّاً في الطلب الوجوبي. وكذلك الحال فيما لو كان أحدهما توصّلياً والآخر تعبّدياً ، فإنّه من هذا الباب ، بمعنى أنّ التوصّلي يكون بالنسبة إلى التقييد بالتعبّد من باب عدم المقتضي ، وهو يجتمع مع ما له اقتضاء ذلك وهو التعبّدي ، فلو كانا وجوبيين وكان أحدهما تعبّدياً والآخر توصّلياً ، فلا إشكال في تولّد الطلب الأكيد العبادي. وكذلك الحال لو كان أحدهما ندبياً وكان توصّلياً وكان الآخر وجوبياً عبادياً ، أمّا لو كان العبادي هو الاستحبابي ، ففيه تأمّل ، لأنّ اقتضاء التعبّد في الندبي لا يكون إلاّ عبارة عن اعتبار التعبّد في سقوط أمره ، أمّا الوجوبي فلا يعتبر فيه ذلك ، وحينئذ لا يكون سقوط الأمر الوجوبي المفروض كونه في حدّ نفسه توصّلياً متوقّفاً على التعبّد في متعلّقه ، فلو أتى بصلاة الليل لا بقصد الاطاعة والتعبّد ، لأمرها النذري ، كان الأمر النذري ساقطاً بذلك وإن لم يسقط الأمر الندبي.
وبالجملة : أنّ اندكاك أحد الأمرين بالآخر لا يوجب توقّف سقوط الأمر النذري على قصد التقرّب ، والجهة الاستحبابية بالنسبة إلى قصد التقرّب والتعبّد وإن كانت اقتضائية ولو باعتبار اقتضائها شرطية التقرّب في ذلك الفعل ، إلاّ أنّ ذلك الاقتضاء إنّما هو بالنسبة إلى الأمر الندبي ، لا أنّ جهة الندب تقتضي توقّف صحّة ذلك الفعل في كونه مسقطاً للأمر أيّ أمر كان على التعبّد ، وإنّما يكون ذلك بالنسبة إلى نفس الأمر الندبي ، فلو أتى المكلّف بذلك لكن لا بقصد التعبّد به بل لمجرّد قصد الأمر النذري ، كان مقتضى القاعدة سقوط الأمر النذري بذلك ، وإن لم يسقط الأمر الندبي لتوقّف سقوطه على التعبّد به.