قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرّز عنه ، ولا يكاد يحرز إلاّبترك المشتبه أيضاً ، فتفطّن (١). فإنّه قد يقال : إنّ مفادها هو الرجوع إلى البراءة في المشكوك الفردية ، والاحتياط في المطلوب الذي هو العنوان البسيط ، أعني إعدام الطبيعة وإخلاء صفحة الوجود منها ، وأنّه لو كان له حالة سابقة لكان مورداً للاستصحاب ، وحينئذ يكون قد جمع بين البراءة والاحتياط والاستصحاب في مورد واحد.
لكن الظاهر أنّ مراده هو أنّ الفرد المشكوك في حدّ نفسه وإن كان هو مورداً للبراءة ، إلاّ أنّ هناك مانعاً من الرجوع إليها ، وهو لزوم إحراز المكلّف به أعني ذلك العنوان البسيط ، فلا يكون في البين إلاّ أصالة الاحتياط لو لم يكن الاستصحاب جارياً. ولعلّ مراده هو أنّ البراءة من حرمة الاقدام على الفرد المشكوك باعتبار احتمال حرمته لأجل احتمال كونه ناقضاً لذلك البسيط ، لا تكون وحدها نافعة ما لم ينضمّ إليها الاستصحاب ، فيكون قد جمع بين الأُمور الثلاثة في مورد واحد. نعم لو كان مراده من البراءة هو البراءة من حرمة نفس المشكوك باعتبار كونه فرداً لابدّ أن نقول إنّ ذلك مجرّد فرض.
وأمّا ما أفاده قدسسره في حاشية منه على الرسائل فيما يتعلّق بإجمال النصّ ، فإنّه قدسسره ذكر في أصل الحاشية توهّم لزوم الاحتياط ، بدعوى أنّ التكليف بالاجتناب عن الغناء وشرب الخمر مثلاً ثابت ، فيجب الخروج عن عهدته. وأجاب عن هذا التوهّم بما حاصله : أنّ التكليف الثابت إنّما هو خصوص ما كان الخطاب بياناً له وهو القدر المتيقّن ، وأمّا غيره فلم يكن التكليف فيه منجّزاً ، كتب في الهامش ما نصّه : أنّ التكليف بالاجتناب عن الطبيعة المنهي عنها وإن كان
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٥٤.