المورد الذي يجري فيه الاستصحاب وحده لا تكون البراءة نافعة ، كما لو أُمر بحفظ حياة زيد وشكّ في أنّ رميه بهذا السهم قاض على حياته ، فإنّ استصحاب بقاء حياته إلى ما بعد الرمي لا ينفع في جواز الإقدام عليه ، لأصالة الاحتياط في النفوس ، ولو كان الاستصحاب نافعاً في جواز الاقدام لكان حاكماً على أصالة الاحتياط في النفوس ، فتأمّل.
ولعلّ هذا الذي ذكرناه من الاحتياج إلى البراءة عند إجراء الاستصحاب هو المراد لصاحب الكفاية بقوله : والفرد المشتبه وإن كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه الخ (١).
فيكون مراده من البراءة هي البراءة من احتمال حرمته باعتبار كونه ناقضاً لذلك الأمر البسيط ، لا حرمته باعتبار كونه فرداً من الطبيعة المحرّمة ، فيكون الحاصل أنّه بعد فرض كون المطلوب هو ذلك الأمر البسيط ، لابدّ من إحرازه بالاستصحاب ، ومجرّد البراءة عن حرمة ذلك الفرد المشكوك باعتبار حرمته الناقضية لا تنفع ، بل لابدّ من الأمرين معاً ، استصحاب بقاء ذلك المشكوك وأصالة البراءة ، وكما أنّ البراءة المذكورة وحدها لا تنفع في رفع قاعدة شغل الذمّة التي مقتضاها الاحتياط ، فكذلك الاستصحاب وحده لا ينفع في جواز الاقدام على ذلك المشكوك ، ويكون المورد محلاً للبراءة المذكورة ، لكنّها إنّما تنفع إذا جرى الاستصحاب ، أمّا إذا لم يكن الاستصحاب جارياً لم تكن البراءة المذكورة وحدها نافعة في سقوط الاحتياط المذكور. ويتلخّص أنّ المورد يكون مجرى للأُصول الثلاثة على تعاقب بين الاستصحاب والاحتياط ، فتأمّل.
نعم ، فيما لو كان المسبّب البسيط محرّماً مثل ما لو نهي عن تعظيم الكافر
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٥٤.