كما هو صريح قوله قدسسره : وجودياً كان العنوان المتعلّق أو عدمياً الخ. ولعلّ نسبة القول إليه قدسسره بالقول بالاحتياط في الشبهة المصداقية التحريمية ، ناش عن أنّ مراده بهذه الجملة هو الأوّل ، وقد عرفت أنّ صريحها هو الثاني.
وأمّا الإشكال الثاني ، فحاصله هو أنّه لا فرق في الرجوع إلى البراءة في الشبهات المصداقية بين ما هو متعلّق بموضوع خارجي مثل لا تشرب الخمر ، أو ما ليس له تعلّق بموضوع خارجي مثل لا تغنِّ ، فإنّ تخصيص الرجوع إلى البراءة في خصوص الأوّل بلا مخصّص ، بل إنّها كما تجري في الشبهة المصداقية في مثل لا تشرب الخمر ، فكذلك تجري في الشبهة المصداقية في مثل لا تغنّ.
ولا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ لو تمّ الإيراد الأوّل من إمكان تحقّق الشبهة المصداقية ، وكون شيخنا قدسسره قائلاً بأنّ المرجع في تلك الشبهة هو الاحتياط ، وقد عرفت الخدشة في كلا الأمرين.
وأمّا ما أشار إليه بقوله في هذا الايراد الثاني : فضلاً عمّا أوردنا عليه في بحث مقدّمة الواجب من أنّ باب التكاليف طرّاً خارجة عن مصبّ القضايا الحقيقية (١) ، فإن كان المراد بالتكاليف التكاليف المتعلّقة بموضوع خارجي مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق ، ففيه أنّ كون ذلك من قبيل القضايا الحقيقية بالنسبة إلى العالم والفاسق غير قابل للانكار ، لأنّها بمنزلة قولك كلّ عالم يجب إكرامه وكلّ فاسق يحرم إكرامه ، ومن الواضح كون هذه القضايا وأمثالها من القضايا الحقيقية. وإن كان المراد بالتكاليف التكاليف التي ليس لها تعلّق بموضوع خارجي مثل قولك لا تغنّ ، فمن الواضح أنّه ليس من قبيل القضايا الحقيقية بالنسبة إلى نفس ذلك الفعل أعني الغناء ، بل هو من قبيل الحكم الوارد على الطبيعة ، إمّا بنحو
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٢١٩.