قوله : وجهان ، لا يخلو ثانيهما عن قوّة ، لقوله تعالى : ( إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ )(١) فإنّ نسبة التذكية إلى الفاعلين تدلّ على أنّها من فعلهم ... الخ (٢).
أمّا نسبة التذكية إلى المكلّفين فهو توسّع وتساهل ، باعتبار كون الذكاة مولّدة ومسبّبة عن فعلهم ، فيكون الفعل مصداقاً للتذكية ، نظير ذكّيت النار بالعود ، وطهّرت الثوب بالماء باعتبار ترتّب الطهارة التي هي حكم شرعي على غسله فيه ، وهذا أمر يساعد عليه الذوق.
ثمّ لا يخفى أنّه لو تمّ ما أفاده قدسسره في معنى التذكية وأنّها لا تجري أصالة عدمها عند الشكّ في القابلية ، لم يكن لنا طريق إلى الحكم بعدم تذكية الحشرات من ذوات النفس مثل الجرذان ، إذ لا مستند لنا في ذلك إلاّ أصالة عدم التذكية ، فراجع الجواهر وغيرها في شرح قوله : « القسم الثاني : فيما يقع عليه الذكاة » ، فإنّ صاحب الجواهر استند هناك في موارد الشكّ في القابلية إلى أصالة عدم التذكية ، ويظهر منه البناء على أنّ التذكية اسم للمسبّب (٣).
ثمّ لا يخفى أنّه لا ينبغي الريب في أنّ الذكاة ليست من أفعال المكلّفين وإنّما هي ذلك المعنى البسيط الحاصل من أفعالهم ، وأنّ أفعالهم هي عبارة عن التذكية ، فكما لا وجه للقول بأنّ الذكاة من أفعال المكلّفين ، فكذلك لا ينبغي القول بأنّ التذكية هي عبارة عن نفس ذلك المعنى البسيط ، بل إنّما هي من أفعال المكلّفين ، أمّا الأثر الشرعي فإنّما هو مرتّب على ذلك المعنى البسيط ، أعني الذكاة الحاصلة بفعل المكلّفين الذي هو التذكية ، التي هي عبارة عن الذبح مع
__________________
(١) المائدة ٥ : ٣.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٣٨٢.
(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ١٩٣ وما بعدها.