الذي يتورّع من محارم الله ويجتنب هؤلاء ، فإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه » (١) وهذه لسانها لسان الاستحباب ، ولو حملت على الوجوب كان المراد بالشبهات فيها هي الشبهات المنجّزة ، فتأمّل.
والذي تلخّص : أنّ الجواب عن الاستدلال بأخبار التوقّف عن الشبهات معلّلاً بأنّ التوقّف فيها خير من الاقتحام في الهلكات يمكن أن يكون من وجوه :
الأوّل : أنّ أخبار البراءة حاكمة أو واردة عليها ، فإنّ ترخيص الشارع في ارتكاب محتمل الحرمة يخرجه عن كونه من الشبهات ، ولا يتوقّف ذلك على كون الترخيص ترخيصاً واقعياً ليكون موجباً لاختصاص التحريم بالعلم ، بل يكفي فيه الترخيص الظاهري ، سيّما بعد أن قلنا بأنّ مرجع ذلك إلى جعل حجّية احتمال العدم. نعم يرد عليه أنّ مرجع الاحتياط إلى جعل حجّية احتمال الوجود فيتعارضان ، فلابدّ في توجيه التقديم من سلوك الوجه :
الثاني : أنّ أخبار البراءة وإن لم ترفع الشبهة نفسها إلاّ أنّها ترفع قيدها المستفاد من التعليل ، وهو كون الشبهة موجبة للوقوع في العقاب عند المصادفة ، وحينئذ تكون أخبار البراءة الشرعية رافعة لذلك القيد ، بل إنّ البراءة العقلية وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان رافعة لذلك القيد.
الثالث : أنّ أخبار البراءة قد خرج منها الشبهة في العلم الاجمالي والشبهة قبل الفحص ، والشبهة في الدماء والفروج بل والأموال ممّا ثبت فيه انقلاب الأصل ، وبعد إخراج هذه الشبهات عن أخبار البراءة تكون أخصّ من أخبار التوقّف فتقدّم عليها.
الرابع : أنّ أخبار التوقّف في حدّ نفسها لمّا كان موضوعها احتمال العقاب ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٦٢ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٣٠.