كون هذه الأمثلة من قبيل التنظير لأجل تقريب المطلب وعدم استغراب الترخيص الشرعي في موارد احتمال التحريم وإن كان المستند في تلك الترخيصات هو جهات أُخر مثل اليد وأصالة الصحّة ونحو ذلك ، ولا يقال : لِمَ لم ينظّر عليهالسلام بمورد تكون الشبهة فيه حكمية. لأنّا نقول : لابدّ أن يكون ذلك النظير ممّا حكم به بالترخيص لجهة أُخرى معروفة لدى السامع مقبولة عنده ، والظاهر أنّ أغلب موارد الشبهات الحكمية التحريمية لا يكون الترخيص فيها إلاّمستنداً إلى البراءة الشرعية ، فيكون خارجاً عن التنظير والتقريب ، بل يكون عين المدّعى ، إذ لا يكون في البين ما يرخّص في ذلك إلاّ الاستصحاب النافي للحرمة وموارده قليلة.
قوله : الثالثة : أنّ قوله عليهالسلام في ذيل الرواية : « أو تقوم به البيّنة » ... الخ (١).
يمكن أن يقال إنّ قوله عليهالسلام : « والأشياء كلّها على هذا » (٢) إشارة إلى موارد التنظير ، لا أنّه راجع إلى صدر الرواية ، وحينئذ لا يكون اختصاصه بالشبهة الموضوعية قرينة على اختصاص الصدر بذلك.
أو يقال : إنّ قوله : « هذا » وإن كان راجعاً إلى صدر الرواية ، إلاّ أنّ هذه المقابلة بين الاستبانة وبين قيام البيّنة يعطي أنّ الأوّل مسوق للشبهة الحكمية ، والثاني للشبهة الموضوعية ، خصوصاً بعد فرض [ أنّ ] المراد من الاستبانة قيام مطلق الطريق الشامل للبيّنة في الشبهات الموضوعية. ولكن [ مع ] هذا كلّه ، فلا تطمئن النفس ولا تثق بكون هذه الرواية الشريفة شاملة للشبهات الحكمية ، فإنّ للظهور العرفي الذي يعرفه أهل اللسان مقاماً ، وللمطالب والمناقشات العلمية
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.