حاكماً على دليل وجوب الاحتياط ، لكونهما من قبيل ما لو كان لسان أحد الدليلين رافعاً لموضوع الدليل الآخر ، فإنّ المرفوع الحقيقي وإن كان هو نفس الاحتياط ، إلاّ أنّه لمّا كان رفعه بلسان رفع موضوعه الذي هو الحكم الواقعي ، كان حاكماً على ما يدلّ على وجوب الاحتياط عند الشكّ في الحكم الواقعي ، فهما في ذلك نظير « لا شكّ لكثير الشكّ » (١) بالنسبة إلى ما يدلّ على وجوب البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات.
وفيه ما لا يخفى ، فإنّه لو كان دليل الرفع حاكماً على دليل الاحتياط لو اتّفق وجوده واقعاً ، لبقي ذلك الدليل ـ أعني دليل الاحتياط ـ بلا مورد ، وليس من شأن الحكومة إلغاء الدليل المحكوم بالمرّة على وجه لا يبقى مورد للدليل المحكوم ، بل الذي ينبغي أن يقال : إنّ دليل الاحتياط لو كان مفاده لزوم الاحتياط في كلّ مورد لم يعلم التكليف الواقعي فيه ، يكون معارضاً لحديث الرفع ، ولو كان دليل الاحتياط أخصّ من دليل الرفع ، بأن كان دليل الاحتياط متكفّلاً لجعله في مورد خاصّ مثل الدماء والفروج ، كان هذا الدليل مقدّماً على دليل البراءة لكونه أخصّ منه.
نعم ، لو شكّ في أنّ هذا المورد الخاصّ الذي هو مورد اللحوم مثلاً هل حكم الشارع فيه بخصوصه بالاحتياط ، أو أنّ الشكّ في هذا المورد حكمه البراءة ، كان المرجع فيه هو أصالة البراءة تمسّكاً بعموم دليلها ، لأنّ الشكّ حينئذ في تخصيص عموم « ما لا يعلمون » وإخراج اللحوم منه ، فتأمّل.
وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في أنّ هذا التقريب لا تتمّ معه الحكومة
__________________
(١) لم نعثر عليه بلفظه ، وإنّما ورد ما يدلّ على الحكم في وسائل الشيعة ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦.