الشارع ، ويكون من قبيل « اسكتوا عمّا سكت الله عنه » (١).
فإنّ جميع ما كان من هذا القبيل لا يراد به الرفع الحقيقي ، أعني رفع شيء موجود متحقّق في وعائه. كما أنّه ليس المراد هو الدفع الحقيقي ، بل المراد به عدم الجعل ، غايته أنّه لابدّ في تلك الموارد من كون المورد قابلاً للجعل ، لتكون تلك القابلية مصحّحة لتنزيل المعدوم منزلة الموجود في صحّة نسبة الرفع إليه ، ليكون من قبيل الاستعارة التي يبتني عليها أغلب الاستعمالات ، ولعلّ ذلك المقدار من القابلية هو المصحّح لكون المقام من قبيل الدفع ، إلاّ أنّ التعبير بالرفع يكون في أمثال هذه المقامات ممّا يكون مسوقاً مساق المنّة أبلغ من التعبير بالدفع.
وليس المراد من القابلية المصحّحة لنسبة الرفع هي القابلية التامّة حتّى بالنظر إلى عدل الشارع وحكمته ولطفه وعدم صدور القبيح منه ، وإلاّ لما صحّ استعمال الرفع في المجنون ونحوه ، بل المراد القابلية في الجملة ، في قبال الرفع عن الحيوان والجماد مثلاً ، وهذا المقدار من القابلية في الجملة مصحّح لاستعمال الرفع ، ويكون بحسب النتيجة موازناً لعدم الجعل كما في دليل نفي الحرج.
ولا فرق بين العبارتين في أصل المؤدّى الواقعي إلاّباعتبار راجع إلى خصوصيات بيانية راجعة إلى فنّ البلاغة ، وربما كان لها أثر مهم ، كما يظهر في تحكيم بعض الأدلّة على بعض مع كون المؤدّى الواقعي واحداً ، وإنّما كان اللسان فيه مختلفاً ، ولهذا الاختلاف أثره في باب الحكومة ، كما في حكومة الأدلّة الاجتهادية على الأُصول العملية ، وحكومة الأُصول بعضها على بعض ، فإنّ ذلك
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧٥ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٦٨. وفيه : « وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً فلا تكلّفوها ».