لكن الإنصاف اندفاعه : بأنّ مراده : أنّه لا بدّ من إيجاب المقدّمة عند إيجاب ذيها ولو كان وجوبهما متقارنين في الزمان ، لا أنّه لا بدّ من إيجابها أوّلا ثم إيجاب ذيها ، فمعنى ذلك إنّما هو التلازم بين وجوب الواجب وبين وجوب مقدّمته وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ، وهذا غير التوقّف كما لا يخفى.
ومنها : ما عن المحقّق السبزواري في رسالته المعمولة في هذه المسألة : من أنّه لو لم تجب المقدّمة لزم أن لا يكون تارك الواجب المطلق عاصيا مستحقّا للعقاب أصلا ، لكن التالي باطل ، فالمقدّم مثله.
وأمّا الملازمة فلأنّه إذا أوجب الشارع الحجّ ولم يوجب طيّ المسافة ـ مثلا ـ فترك المكلّف الحجّ بترك طيّ المسافة ، فهو لو كان مستحقّا للعقاب فإمّا أن يكون زمن الاستحقاق هو زمان ترك المشي ، وإمّا أن يكون زمان فعل الواجب نفسه ، وهو في الحجّ يوم النحر ، لا سبيل إلى شيء منهما :
أمّا الأوّل : فلعدم صدور عصيان منه بعد يستحقّ به العقاب ، لأنّه حينئذ لم يصدر عنه إلاّ ترك المقدّمة ، ولا يعقل كونه سببا لاستحقاقه لفرض جوازه.
وأمّا الثاني : فلعدم الأمر بالواجب بعد امتناعه في وقته بسبب ترك مقدّمته ، فلا يعقل تحقّق العصيان بالنسبة إليه في ذلك الزمان لانتفاء العصيان.
وأمّا بطلان التالي فبديهي لا حاجة له إلى دليل.
هذا ملخّص كلامه ـ قدّس سرّه ـ ، وهذا الدليل عين الدليل السابق المحكي عن أبي الحسين حقيقة ، إلاّ أنّ التغاير بينهما إنّما هو بأنّه ـ قدّس سرّه ـ لم يتردّد في لازم عدم وجوب المقدّمة كما صنعه أبو الحسين ، بل اختار ـ على تقدير ـ