فعل فعلا جائزا مرخّصا فيه من المولى ، فامتناعه مسبّب من تجويزه تركها ، وحينئذ لا يصحّ العقاب على ترك ذي المقدّمة.
هذا بخلاف تقدير وجوبها ، فإنّ الامتناع المذكور حينئذ إنما هو بسوء اختيار المكلّف ـ بالفتح ـ فيجوز بقاء التكليف بمعنى ثبوت استحقاق العقاب.
وبعبارة أخرى : إنّ المفروض أنّ ترك المقدّمة علّة تامّة لترك ذيها ، فإنّ معنى المقدّمية هو هذا ، أعني كون تركها علّة لترك ذيها ، فتجويز الشارع لتركها مستلزم لجواز ترك نفس الواجب ، إذ لا يعقل تجويز ارتكاب علّة شيء والنهي (١) عن معلوله الّذي لا ينفكّ عنه عقلا ، بل هذا التجويز عبارة أخرى عن تجويز ترك الواجب ، فلا يعقل هنا استحقاق العبد للعقاب على ترك الواجب.
هذا بخلاف تقدير إيجابه للمقدّمة ونهيه عن تركها لبقاء وجوب ذي المقدّمة حينئذ بحاله ، فيصحّ العقاب على تركه المسبّب من سوء اختيار العبد.
هذا ، لكن الإنصاف عدم استقامة هذا الجواب ، لما ذكره بعض الأفاضل المحقّقين (٢) ممّا حاصله بتوضيح منّا :
أنّ كون إيجاب المقدّمة مصحّحا للعقاب على ترك ذيها ، وكذا كون عدم وجوبها موجبا لقبحه كلاهما ممنوع ، بل المصحّح له إنّما هو ترك الواجب مطلقا (٣) مع التمكن من الإتيان به بعد تعلّق التكليف به ، وهذا المناط متحقّق في المقام على التقديرين ، إذ لا ريب أنّ. عدم إيجاب المقدّمة ليس معناه المنع من إيجادها ، وليس مستلزما له أيضا ، بل مراد القائل بعدم وجوبها أنّه ليس في المقدّمة
__________________
(١) كذا في الأصل ، والأصحّ : مع النهي ..
(٢) وهو المحقّق صاحب الفصول (ره) في كتابه : ٨٥.
(٣) قولنا : ( مطلقا ) إشارة إلى أنّ تركه الحكمي أيضا ـ الحاصل بترك المقدّمة ـ سبب لاستحقاق العقاب. لمحرّره عفا الله عنه.