بالبطش فيما خلقها له من أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو جهاد في سبيله ، أو إعانة ضعيف ، أو إغاثة ملهوف ، أو وضع في محالّها من هيئات المصلّي. والرجل بالسعي في بقاعه التي أمر بالسعي إليها ، ورغّب في العكوف عليها. وأشرفها بيته وكعبته المقدّسة ، وحرم نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومشاهد الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ، والجوامع والمساجد ، ومجالس العلم ، وزيارة الإخوان في الله تعالى. وإن لم يكن هناك ما يحتاج إلى البطش والتنقّل ، شغلها بالسكينة والوقار ، مستشعرا في جميع ذلك عظمة بارئه وكمال منشئه ، معتقدا أنّ جميع ذلك من أعظم نعمه وأكبر مننه فحينئذ يحتاج إلى أن يشكره على حسن توفيقه لشكره ، وهلم جرّا. ولمّا خطر هذا لداود على نبيّنا وعليه السلام وناجى به ربّه ، أجابه : « إذا علمت أنّ ذلك منّي فقد شكرتني » (١) ).
أقول : هذا هو اللازم الثالث للشكر ، وهو أيضا مسبّب عن اللازم الأوّل ؛ لما علمت في اللازم الثاني من ترتّب أفعال الجوارح الخارجة على البواعث الباطنة.
والأركان هنا هي الجوارح لا العناصر. والقوى هنا المنافع المركوزة فيها بحيث لا يوصف الاستخدام بالارتفاع ، فتوصف العبادة بالانقطاع.
وقد قسّم الله سبحانه شعبا من مكتملات الإيمان على الجوارح. فكلّف العين بالزجر عن الحرام ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٢) ، وبالنظر في آثار الأنام ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (٣).
وكلّف الأذن بالمنع من سماع كلام العاصين ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ
__________________
(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٣٦.
(٢) النور (٢٤) : ٣٠.
(٣) الروم (٣٠) : ٩.