فلمّا خاب ظنّها استحيت حيث لم يقبل نذرها فقالت ذلك معتذرة أنها لا تصلح لما يصلح له الذّكر من خدمة المسجد ، فمنّ الله عليها بتخصيص" مريم" بقبولها في النذر ، دون غيرها من الإناث فقال : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ.)
١٤ ـ قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى.)
إن قلت : كيف نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلي ، وأجابها وهو في الصلاة؟
قلت : المراد بالصلاة هنا : الدّعاء كقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) [الإسراء : ١١٠].
فإن قلت : لم خصّ" يحيى" عليهالسلام بقوله : (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) مع أن كل واحد من المؤمنين ، مصدّق بجميع كلمات الله تعالى؟
قلت : لأن معناه مصدّقا ب" عيسى" الذي كان وجوده بكلمة من الله تعالى ، وهو قوله : كن من غير أب في الوجود أو المرتبة ، وكان تصديق يحيى لعيسى أصدق من تصديق كل أحد به.
١٥ ـ قوله تعالى : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ)
قدّم هنا ذكر (الْكِبَرُ) على ذكر المرأة ، وعكس في" مريم" لأن الذّكر مقدّم على الأنثى ، فقدّم كبره هنا وأخرّ ثمّ لتتوافق الفواصل في" عتيّا ، وسويّا ، وعشيّا ، وصبيّا" وغيرها.
فإن قلت : كيف استبعد زكريا ذلك ، ولم يكن شاكا في قدرة الله تعالى عليه؟
قلت : إنما قال ذلك تعجبا من قدرة الله تعالى ، لا استبعادا.
١٦ ـ قوله تعالى : (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ.)
قال في حقّ زكريا : (يَفْعَلُ) وفي حقّ مريم بعد (يَخْلُقُ ،) مع اشتراكهما في بشارتهما بولد لأن استبعاد زكريا لم يكن لأمر خارق ، بل نادر بعيد فحسن التعبير ب (يَفْعَلُ). واستبعاد مريم كان لأمر خارق ، فكان ذكر" الخلق" أنسب.
إن قلت : ما الجمع بين قوله هنا : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وقوله في مريم (ثَلاثَ لَيالٍ؟)