بحث دلالي
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأول : إنّما جمع عزوجل بين القتل والخروج من الدار والجلاء عن الوطن في ما فرضه تعالى عليهم ؛ لأنّهما أشدّ شيء على الإنسان ، ولأهمية الوطن عنده ، ولأنّ الجسم مستقرّ الروح كما أنّ الوطن دار الجسم والبدن.
وكيف كان ، فتدلّ الآية الشريفة على أهمية الهجرة في سبيل الله تعالى.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) أنّ الأحكام الإلهيّة والتكاليف الربانيّة إنّما هي مواعظ تصلح النفوس المريضة ، وتهدي المكلّفين إلى ما فيه الصلاح والسعادة ، ولعلّ هذه الآية الشريفة تبيّن المراد من قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) ، فالإعراض عنهم كان حكما أدبيا وخلقا رفيعا اتصف به نبيّ الرحمة ، ثم الوعظ بإنزال التكاليف والأحكام لتهذيب النفوس وهدايتها إلى الصلاح والسعادة ، والقول البليغ هو الوعد والوعيد اللذين وردا في هذه الآية الكريمة والآية التالية.
الثالث : لعلّ ما ورد من تعدّد الجزاء واختلافه ، وهو الخير والثبات والأجر العظيم والهداية ، إنّما هو لأجل اختلاف درجات الإيمان التي وردت في الآية السابقة من التحكيم ، والرضا بالحكم ، والتسليم الكامل ولما كان التسليم من أعلى تلك الدرجات ، كان الجزاء أيضا عظيما ، وهو الأجر العظيم والهداية إلى الصراط المستقيم.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) على أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لها الأثر الكبير في تثبيت النفوس على الإيمان ورفع الشكوك والأوهام وتزكية القلوب وترويضها على مكارم الأخلاق ، ورفع كلّ ما يوجب البعد عن الله تعالى.