جريمته ، ولكن لا بد من سلوك الطريق الموصل إليه جلّت عظمته ، وهو ينحصر بالاستغفار والتوبة وطلب المغفرة من الرسول الكريم لهم ، دون مجرّد الاعتذار الباطل والاشتغال بما يوجب الدخول في سخط الله تعالى ، فهم حين ما ظلموا أنفسهم بالنفاق والتحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، إن رجعوا إلى الصواب وندموا على ما فعلوا وآمنوا بالرسول وطلبوا الغفران من الله تعالى واستغفر لهم الرسول ، غفر الله تعالى لهم.
قوله تعالى : (جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)
أي : جاءوك بعد الإعراض وطلبوا الغفران من الله تعالى ، وسأل الرسول لهم من الله تعالى الغفران وقبول توبتهم وغفران ذنوبهم ، وفي التعبير ب (اسْتَغْفَرَ) دون غيره ، تعظيم لشأن الرسول الكريم ، حيث عدل عن خطابه إلى أعظم صفاته صلىاللهعليهوآله ، حيث أسنده إلى لفظ ينبئ عن علو مرتبته.
قوله تعالى : (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)
أي : لعلموا أنّه قبل توبتهم ، وقد تفضّل عليهم بالغفران ؛ لأنّه رحيم واسع الرحمة لا يضرّه ذنوب عباده ، بل يفرح من توبتهم.
وفي التعبير بالوجدان كمال العناية ، فإنّه يملأ المشاعر ، كما أنّ وضع الظاهر (اسم الجلالة) موضع المضمر ، إيذان بفخامة القبول وكمال الرأفة.
والآية الشريفة إرشاد لقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [سورة النساء ، الآية : ٥٩] ، فإنّ الله تعالى أمرهم بالمجيء إلى الرسول وطلب الدعاء منه بالمغفرة ؛ لأنّه عزوجل أمرهم بالتحاكم إليه ، وقد خيّره في الحكم لما وهبه عزوجل من الفطنة والذهن الثاقب وكمال العرفان.
قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
بيان للإيمان الصحيح الحقيقيّ بعد ذكر الإيمان الكاذب الذي يزعمه المنافقون ، ولأهمية الموضوع وقع القسم باسم الرّب مؤكّدا بأمور في المقام يأتي بيانها.