والمبرّح هو ما يوجب المشقّة والشدّة ، والسرّ واضح ، فإنّ الضرب والهجران في المضاجع والموعظة وسائل للزجر والتأديب ، وإنّما جعلها سبحانه وتعالى لأجل التوصّل إلى إصلاح المرأة وإرجاعها إلى الطاعة ، فلا بد من أن لا يؤتى منها خلاف المقصود ، فهي ليست وسيلة لإرضاء غرور الرجل ولا سببا لإذلال المرأة ومهانتها ، بل هي عملية إصلاحيّة تربويّة لا بد من ملاحظة التقوى فيها ، وقد اهتمّ سبحانه وتعالى بذلك ؛ لأنّ الاسرة بنية صغيرة من بنيان المجتمع الكبير ، الذي يتركّب منها ومن غيرها ويصلح بصلاحها ويسعد بسعادتها.
قوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)
بيان لغاية تلك الأحكام الإلهيّة المتقدّمة ، أي : أنّ الوسائل التي شرّعها عزوجل لإصلاح الزوجة بعد نشوزها ، إنّما هي لأجل رجوعها إلى الطاعة بترك النشوز ، فإذا تحقّق فلا يجوز التعدّي عليهن باتخاذ العلل في إيذائهن.
ومن ذلك يظهر أنّه إذا اكتفى بالأدنى من تلك المراتب الثلاثة في إرجاع المرأة إلى الطاعة والصلاح ، لا يجوز التعدّي إلى المرتبة العليا ، فإنّه من البغي عليهن ، فليس المقام مقام إظهار قوة الرجل وغروره واستكباره عليهن ، كما عرفت آنفا ، بل إنّما شرّعها عزوجل لأجل الإصلاح والإرجاع إلى الطاعة ، فالتعدّي عمّا شرّعه الله تعالى يكون بغيا وعدوانا وخروجا عن طاعة الله تعالى.
وإنّما ذكر عزوجل البغي دون غيره ، لبيان أنّ الخروج عمّا شرّعه سبحانه وتعالى ، هو بغي وتجاوز عن الحدّ وظلم عليهن.
والمستفاد من الآية الشريفة الاكتفاء بالظاهر من الإطاعة ولم يكلّف الرجل بما وراء ذلك ، فلا يجوز البحث عن السرائر ، فإنّ علمها عند الله تعالى.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً)
تهديد لمن يريد الخروج عن طاعة الله بالبغي على النساء والتعدّي عمّا شرّعه الله تعالى فيهن ، فإنّ الله جلّ شأنه عليّ في أحكامه وقدرته ، وسلطانه