والدواعي لمعرفة سنن الماضين التي شرّعها الله تعالى كثيرة ، والمصالح لاتباعها متعدّدة ؛ لأنّ دين الله واحد موافق للفطرة المستقيمة ولا اختلاف فيه ؛ ولأنّ متابعة نهج السلف الصالح ما تدعو إليه فطرة العقول ، وللاستفادة من تجارب الماضين الذين لم يقصدوا إلا ابتغاء مرضاة الله ، ففازوا بسعادة الدارين ، فاقتضت المصلحة أن يسنّ عزوجل لكم شريعة تكون لكم منهاجا.
وقال بعض المفسّرين : المراد من الآية الشريفة الهداية إلى سنن جميع السابقين ، سواء كانت سنّة باطلة أم على حقّ ؛ لتكونوا على بصيرة منها فتعملوا بما هو الحقّ منها ، وتعرضوا عن الباطل منها ، وعلى هذا تكون الجملة : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قد تنازع فيها الفعلين «يبين» و «يهديكم» ، وهذا لا بأس به.
وأورد عليه : بأنّ الهداية في المصطلح القرآنيّ إنّما تستعمل في الإيصال إلى الحقّ ، أو إرادة الحقّ ، فتكون هذه الكلمة قرينة على أنّ المراد هو المعنى الأوّل الذي ذكرناه ، وهو بيان سنن الأنبياء والصالحين التي شرّعها الله تعالى ، وكانت سبب سعادتهم ، وأمّا السنن الباطلة فلا معنى لدعوة الله تعالى إلى معرفتها.
ويمكن أن يجاب عن ذلك : أنّ معرفة السنن الباطلة إنّما هي داعية لتركها ، فتكون من الهداية إلى الحق ؛ لأنّ ترك الباطل حقّ كما أنّ فعل الحقّ حقّ ، بخلاف تركه.
والآية المباركة توطئة للأخبار عن أنّ من يتّبع الشهوات يريد أن يضلّ المؤمنين بإحياء السنن الباطلة ، ولبيان أنّ إرادة الله غالبة على إرادة المبطلين ؛ ولإرشاد المؤمنين إلى مكائدهم ، فإنّهم قد يظهرون عملا على اعتبار أنّه من هدى الماضين ، وهو على خلاف الواقع.
قوله تعالى : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ).
التوبة : هي الرجوع ، فمن الله تعالى الرجوع بالمغفرة والرحمة ، ومن العبد الرجوع عن الذنب والندم مع العزم على عدم العود. أي : أنّ الله تعالى يتوب