ورغبوا عن التحاكم إلى الله وإلى الرسول صلىاللهعليهوآله وأرادوا التحاكم إلى الطاغوت ، فإنّه من المؤسف أن يكونوا كذلك مع زعمهم الإيمان بما انزل إليك وما انزل من قبلك على سائر الأنبياء التي ما أنزلت إلا لبسط الحقّ والحكم بين الناس بالعدل ورفع التنازع بينهم.
وإنّما ذكر عزوجل الإيمان بما انزل من قبله ؛ لتشديد التوبيخ والتقريع ، ولتأكيد التعجيب.
قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)
الطاغوت مصدر بمعنى كثير الطغيان والتجاوز عن حدّ العبوديّة لله تعالى واستعلاء عليه ، واطلق على كلّ معبود من دون الله تعالى ، وقد تقدّم ما يتعلّق باشتقاق هذه الكلمة في قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٦].
والآية المباركة ردّ لزعمهم ، فإنّهم لو كانوا مؤمنين لما أرادوا التحاكم إلى الطاغوت ولم يسعوا في التحاكم إلى الطاغوت ، ولم تنزع نفسهم إليه ، فإنّه إلغاء لشريعته وابطال لكتبه المقدّسة.
قوله تعالى : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)
أي : والحال أنّهم أمروا أن يكفروا بالطاغوت ، كما صرّح عزوجل به في قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [سورة النحل ، الآية : ٣٦] ، وفي الآية المباركة تأكيد التعجيب السابق.
قوله تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)
بيان لأمر واقعي وكشف عن حقيقة مستورة ، وهي أنّ إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت إنّما هي من إرادة الشيطان الذي لا يريد إلا الشرّ والباطل ، ولا يكون قصده وتوجيهاته إلا الضلال البعيد.
وضلالا مصدر مؤكّد إما للفعل المذكور ، أو لفعله المدلول عليه بالمذكور ،