على الناس وحثّهم عليها ، فلا بد أن يكون الحكم بالعدل هو الذي أراده عزوجل وأمر به في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، وقد بيّن هنا الأهل الذي لا بد من أداء الأمانة إليه وهم الناس جميعا.
وإنّما ذكر عزوجل هذه الأمانة لأهميتها البالغة في حياة الناس ، وهي التي تتكلّف تطبيق النظام الأحسن المشتمل على العدل الربانيّ بمستوى جميع أفراد الإنسان كلّهم ، لا في محيط ضيق ، والحكم بالعدل هو الحكم لشريعة الله تعالى التي أنزلها على أنبيائه العظام ، ولقد جمعت هذه الأمانة جميع الأمانات الثلاث المتقدّمة ، الأمانة الكبرى وهي الحكم بالعدل الذي هو منصب إلهي ، والتطبيق العملي للإيمان بالله تعالى وعبادته ، والطاعة له عزوجل.
وفي هذه الأمانة يتحقّق تصديق الأنبياء في ما بلّغوه من الأحكام الإلهيّة ، كما أنّ فيها يعمّ العدل على مستوى البشرية ليسود النظام ويصل كلّ ذي حقّ الى حقّه.
ثم إنّ إطلاق الآية الشريفة يشمل كلّ أنواع الحكم ، سواء كان عن ولاية عامّة أم خاصّة والتحكيم الذي يرجع إليه المتخاصمين وغير ذلك ، لكن يجب أن يكون الحكم بالعدل ، وهو المأمور به في عدّة آيات اخرى قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [سورة النحل ، الآية : ٩٠] ، وقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [سورة المائدة ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) [سورة الحجرات ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [سورة الانعام ، الآية : ١٥٢] ، وهو يدلّ على عظم شأنه.
والعدل معروف يطلبه كلّ ذي شعور ، ولعلّه لوضوحه لم يذكر سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الا ما يكون تطبيقا عمليّا له ، وأما المفهوم فقد أوكله الى الفطرة لوضوحه ، ويرشد الى ذلك أنّ الأمر بالعدل مطلقا ورد في آيات السور المكية قبل بيان الأحكام الشرعيّة.