الكريمة في المقام تبيّن أنّ الطريق في الإيمان دون التمنّي والترجّي والافتراء على الله تعالى بأنّه سيغفر لنا ، كما تزعمه اليهود والنصارى ، كما حكاه عزوجل في غير موضع من القرآن الكريم ، قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٦٩] ، ويدلّ على ذلك ذيل الآية الشريفة : (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) ، فإنّه يدلّ على نفي جميع إشكال التظنّي والتمنّي. وأمّا الآية الثانية ، فإنّها تنفي جميع سبل الشرك وأنحائه التي ذكر جملة منها في الآيات السابقة والتالية لها ، ويؤكّد ذلك ذيل الآية الشريفة ، قال تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [سورة النساء ، الآية : ١١٦] ، فإنّه يدلّ على أنّ الشرك بجميع أنحائه ضلال لا تفاوت بينها.
كما أنّه يمكن الفرق بينهما بأنّ الآية الشريفة في المقام تبيّن رفع الآثار التي ذكرها عزوجل في الآية السابقة من الطمس واللعنة إن هم آمنوا. وأما الآية الثانية فإنّها سيقت لرفع الآثار المترتّبة على الشرك إذا آمنوا وانصاعوا للحقّ.
ثم إنّ عموم الشرك يشمل كلّ ما يشرك بالله تعالى في مقام الالوهيّة وجميع شؤونها. كما أنّ للشرك مظاهر مختلفة في مرّ العصور ، فمنها يكون عن الوثنيّة ، فإنّهم جعلوا كلّ نوع من أنواع المخلوقات إلها وربّا يدبّر أمره ، فجعلوا للماء ربّا ، وللنار إلها وللتراب إلها وللهواء إلها وغير ذلك ، وفيهم نزلت الآية الكريمة (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٩].
ومن الشرك تأليه بعض القوى والنجوم السيارة ممّا جعلوا المجسّمات والأصنام تمثالا ورمزا لعبادتها ، فكان ذلك هو الأصل في عبادة الأصنام والأوثان وإن خفي ذلك على الذين يعبدونها.
ومن الشرك ما يزعمه جمع في بعض البشر من أنّه متولّد من الله تعالى ومن العذراء الإنسيّة ، فكان ابن الله تعالى تولّد منهما ، فجعلوا جلّ شأنه الواحد ذا