ومن ذلك يعلم أنّ ذكر هذه الآية الشريفة بعد سرد تلك الأحكام من أوّل السورة للتحريض على العمل بها ، فإنّه من عبادة الله تعالى ، وأنّ الاستهانة بها والإعراض عنها يوجب الكفر والشرك به عزوجل ، وقد تقدّم في سورة الفاتحة معنى العبادة فراجع.
والآية الشريفة تبيّن أمرا مهمّا في الإسلام ؛ لأنّها نزلت بعد الأمر بالتقوى في أوّل هذه السورة ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [سورة النساء ، الآية ، ١] ، وبعد ذكر جملة من الأحكام التي تعالج امور المجتمع كما عرفت ، فتكون هذه الآية الشريفة من أهمّ الآيات التي تعالج أمر العقيدة وتبيّن أنّها هي الأساس الذي لا بد أن يقوم عليه المجتمع الإسلامي وحياة كلّ فرد مسلم ، وأنّ تلك الأحكام بدون هذه العقيدة لا يرجى منها الأثر المطلوب ، بل يؤدي إلى الاضطراب والخلل ، فإنّ الإسلام هو عقيدة وعمل ، وأنّه شريعة مركّبة منهما ، وليس كالنظريات الوضعيّة التي تهمل أحد الجانبين ، فتكون إما عقيدة بلا عمل أو عملا بلا عقيدة ؛ ولذا ترى عقمها وإن حقّقت بعض النفع في بعض الأحوال ، فمن مزايا الإسلام أنّه جميع بينهما ، واعتبر أنّ أحدهما بدون الآخر لغو ، ولأجل ذلك كان الإسلام خير دليل للإنسان نابعا من الضمير ، وأنّه آكد في حياة الإنسان من سائر النظم الوضعيّة ، فأمر عزوجل في صدر هذه الآية بعبادة الله وحده من دون شريك ، ثم رتّب عليها الأمر بالإحسان للوالدين ولذي القربى واليتامى ، لبيان ما ذكرناه والاهتمام بالجانبين النظري العقائدي وتطبيقه في العمل.
وإنّما ذكر عزوجل الإحسان إلى من ذكرهم في الآية المباركة ، للإشارة إلى الرابطة التي تربط المسلمين في المجتمع الإسلامي ، وهي رابطة العقيدة التي تتضمّن جميع الوشائج ، والروابط الاخرى من رابطة المحبّة والمودّة والاخوة ، فتكون رابطة العقيدة من أقوى الروابط وأجمعها وأشملها.