قوله تعالى : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ).
تعليم إلهي وتربية ربانيّة لأفراد الإنسان بالاعتناء والاهتمام بما ينفعهم ، وإرشاد إلى ما هو الإصلاح لهم في ترك ما يكون سببا في شقائهم وضررهم ، فإنّه لما نهاهم عزوجل عن تمنّي ما لا يمكن تحقّقه ، بل يأبى الله سبحانه وتعالى أن يحقّقه ، لاستلزامه الفوضى واختلال النظام ، أرشدهم الى ما ينبغي توجيه داعية الفطرة إلى ما هو الصحيح ، فأمرهم بصرف التمنّي الذي هو فطري للإنسان إلى وجهه الكريم ، ووجّههم إلى السؤال عن فضله العظيم ، فإنّ الفضل بيد الله تعالى ، ويقضي حوائجهم حين يسألونه من الوجه الصحيح ، ويفيض عليهم بحسب ما يشاء.
ومورد الفضل إما أن يكون مورد رحمته الواسعة التي وسعت كلّ شيء ، وبهذا المعنى جميع ما سواه فضل منه جلّ جلاله ، ولا استحقاق في البين ، فإنّ الممكن محتاج بذاته إلى فضله العظيم ، وإما أن يكون بالإنعام زائدا على أصل الخلقة ، وهو يختلف بحسب العوالم ، فإنّ منها ما يكفي في إحداثه صرف الأمر فقط ، كعالم المجرّدات بمراتبها وأنواعها ، ويعبّر عنه بعالم أشعة الجمال والجلال ، ولا وجه للتعبير بالفضل بالنسبة إلى هذا العالم. وإما أن يكون من عوالم المادّة التي لا بد من تخللها في جميع نشئاتها ، ويصحّ التعبير عنها بالفضل حينئذ.
والدنيا بأهلها المسجونين فيها دار فضل الله تعالى ، فاسالوه من فضله ، فإنّه يستجيب دعائكم حسب الاستعدادات والمقتضيات.
وقد أبهم عزوجل الفضل في الآية الشريفة لتعليم الإنسان أن يسأل ربّه من فضله الكريم بحسب الواقع ، لا بحسب ما يتخيّله ، فإنّه جاهل بحقائق الأمور ، فقد يسأل ما يضرّه في الواقع وما يكون سببا في هلاكه ، وهو لا يعلم بذلك ، أو يسأل ما يكون خلاف الحكمة الإلهيّة ـ كما في تمنّيهم ـ وهو يلحّ في الدعاء والمسألة.