المنهج الذي تستقيم به الحياة ، وتطهّر القلب من الخيانة وتصلح النفس ، وهي التي توازن بين جذب الشهوات ودفع النفس الأمّارة وهدوء العقل وإمساكه عن الوقوع في الموبقات والمهلكات.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما ذكروه في شأن نزول هذه الآية الشريفة على فرض صحّته ، لا يمكن أن يكون مقيّدا لعمومها الشامل لكلّ أمانة ـ معنويّة وماديّة وأخلاقيّة وغيرها ـ على حدّ سواء ، ومنها الأمانة الملقاة على عاتق العلماء الأمناء لتأدية تلك الأمانة وتبليغها الى الناس من دون تحريف وخيانة وكتمان ، وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بذلك.
ولأجل تضمّن الآية الشريفة المعاني الدقيقة ، فقد اشتملت الآية الكريمة على امور تدلّ على عظمة الحكم والاعتناء بشأنه اعتناء بليغا ، كتصدير الكلام ب : (إن) الدالّة على التحقيق ، وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) من الفخامة ، وتأكيد وجوب الامتثال ، وإلقاء الخطاب بصورة التعميم ، وغير ذلك ممّا لا يخفى على من تدبّر في الآية الشريفة ، ولعلّ ما ورد في السنّة من التأكيد على أداء الأمانة مقتبس من هذه الآية المباركة ، ففي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «لا إيمان لمن لا أمانة له» ، وسيأتي في البحث الروائي نقل بعض الروايات.
قوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
بيان لبعض مصاديق الأمانة الكبرى ، بل يمكن أن يقال : إنّ أداء الأمانة الكبرى نحو الله جلّ جلاله ، لا يتمّ إلا بالتحكيم الى ما أنزل الله تعالى ، فإنّ أداء الأمانة الحقيقيّة الكبرى ، ليس مجرّد إيمان قلبي ، بل لا بد من إبرازه وإظهاره في مجال التطبيق ، وهو العمل بما أنزله الله تعالى ، الذي أعطى لكلّ ذي حقّ حقّه ، فالتحاكم الى الله والإقرار له بالحاكميّة المطلقة ، تطبيق عملي للعبوديّة ، وإبراز العدل الإلهي ، فإنّ الحكم بين الناس من المناصب الإلهيّة التي وضعها عزوجل