بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ عليه ، والمقصود من الآية المبالغة في تقرير أن كل مؤمن فإنه يصل إلى حقه ، قال عطاء يريد أنّي عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا شاهد (١).
قوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) لما شرح أحوال أهل القيامة على سبيل الإجمال وقال : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) بين بعده كيفية أحوال العقاب ثم كيفية أحوال الثواب ، فأما شرح أحوال العقاب فهو هذه الآية وهذا السّوق يكون بالعنق والدفع بدليل قوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣] أي يدفعون دفعا ، وقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(٢) [مريم : ٨٦].
قوله : «زمرا» حال ، و «زمر» جمع «زمرة» وهي الجماعات في تفرقة بعضها في إثر بعض ، و «تزمّروا» تجمعوا قال :
٤٣١١ ـ حتّى احزألّت زمر بعد زمر (٣)
هذا قول أبي عبيد (ة) (٤) ، والأخفش (٥) ، وقال الراغب : الزّمرة الجماعة القليلة ، ومنه شاة زمرة أي قليلة الشعر ، ورجل زمر أي قليل المروءة ، وزمرت النّعامة تزمر زمارا ومنه اشتق الزّمر. والزّمّارة كناية عن الفاجرة (٦).
قوله : (حَتَّى إِذا) تقدم الكلام في «حتى» الداخلة على «إذا» مرارا (٧) ، وجواب «إذا»
__________________
(١) وانظر : تفسير البغوي معالم التنزيل ٦ / ٨٥ ولباب التأويل للخازن ٦ / ٨٥ أيضا والتفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ٢٧ / ١٩ و ٢٠.
(٢) وانظر : الرازي ٢٧ / ١٩ و ٢٠.
(٣) من الرجز ولم أعرف قائله. وقبله : إن العفاة بالسّيوب قد غمر. واحزألت اجتمعت وارتفعت في سيرها يعني الإبل التي تحمل العطايا وهي السيوب. والعفاة جمع عاف وهو طالب المعروف. وجيء بالبيت شاهدا على أن الزمرة بمعنى الجماعة تلو الجماعة. وانظر : القرطبي ١٥ / ٢٨٣ والكشاف ٣ / ٤١٠ وشرح شواهده ٤ / ٤٢٠ والبحر المحيط ٧ / ٤٣٧ واللسان «زمر» ١٨٦١ ، والمجاز ٢ / ١٩١.
(٤) انظر المجاز ٢ / ١٩١.
(٥) كذا قال أبو حيان في البحر ٧ / ٤٢٦ والسمين في الدر ٤ / ٦٦٧ ولم أجده في المعاني له ولعله في مرجع آخر من تأليفه.
(٦) مع اختلاف بسيط في عبارة الراغب في المفردات ٢١٥ وانظر أيضا اللسان : «ز م ر» ١٨٦١. وقد ذكر ابن منظور في اللسان المرجع السابق كثيرا من هذه المعاني وغيرها فارجع إليها إن أردت.
(٧) من ذلك قوله [النمل : ٨٥] «حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا» بِها عِلْماً. وحتى هذه من أوجهها أن تكون للابتداء كما هنا. وهذا هو قول الجمهور. دخلت على الجملة الفعلية التي فعلها ماض نحو : حتى عفوا ، وعارض ابن مالك والأخفش فزعما أن «حتى» جارة و «إذا» في موضع جر بها. والصواب ما عليه الجمهور من أنها حرف ابتداء وأن «إذا» في موضع نصب بشرطها أو جوابها ، والجواب محذوف ، انظر : اللباب ٧ / ٣٤٠ والمغني ١٢٩.