الدنيا ؛ لأن النعم في الدين كلها منه وقيل : الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٣٤] و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر : ٧٤] وهو الحكيم الخبير فالحكمة (١) هي العلم الذي يتصل به الفعل فإن من يعلم أمرا ولا يأتي بما يناسب علمه لا يقال له حكيم ، والفاعل الذي فعله على وفق العلم هو الحكيم ، والخبير هو الذي يعلم عواقب الأمور وبواطنها (٢) ، فقوله حكيم أي في ابتداء الخلق كما ينبغي وخبير أي بالانتهاء يعلم ما يصدر من المخلوق وما لا يصدر فهو حكيم في الابتداء خبير في الانتهاء (٣) ثم بيّن كمال خيره بقوله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي ما يدخل فيها من الماء والأموات وما يخرج منها من النبات والأموات إذا حشروا.
قوله : (وَما يَنْزِلُ) العامة على «ينزل» مفتوح الياء مخفف الزاي مسند إلى ضمير «ما» وعليّ ـ رضي الله عنه ـ والسّلميّ بضمها وتشديد الزاي أي الله تعالى (٤). والمراد الأمطار والملائكة والقرآن. (وَما يَعْرُجُ فِيها) من الكلام الطيب لقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر : ١٠] والملائكة والأعمال الصالحة لقوله : «والعمل الصّالح يرفعه» وقدم (٥) : (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) على : (ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) ؛ لأن الحبة تبذر أولا ثم تسقى ثانيا. وقال : (وَما يَعْرُجُ فِيها) ولم يقل : «ما يعرج إليها» إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة : «إلى» للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال : وما يعرج فيها ليفهم نفوذها فيها وصعودها منها ولهذا قال في الكلم الطيب : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) ؛ لأن الله هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه ثم قال : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) رحيم عند الإنزال حيث ينزل الرزق من السماء غفور عند ما يعرج إليه الأرواح والأعيان والأعمال. ثم بين (٦) أن هذه النعمة التي يستحق الله بها الحمد هي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ). قوله : «بلى» جواب لقولهم (٧) : (لا تَأْتِينَا) وما بعدها قسم على ذلك. وقرأ العامة : لتأتينّكم بالتأنيث ، وقرأ (طلق) (٨) بالياء (٩) فقيل : (أي) (١٠) البعث. وقيل : على معنى الساعة أي اليوم. قاله الزمخشري (١١) ورده أبو حيان (١٢) بأنه ضرورة كقوله :
__________________
(١) في «ب» والحكمة وانظر : معالم التنزيل للبغوي ٤ / ٢٨١.
(٢) في «ب» ومواطنها.
(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣٩.
(٤) أي ينزل وقد ذكرت في مختصر ابن خالويه ١٢١ والكشاف ٣ / ٢٧٩.
(٥) ذكره الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٤٠.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في «ب» لقوله.
(٨) سقط من «ب» ولم أعثر على ترجمة له.
(٩) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢١ وابن جني في المحتسب ٢ / ١٨٦ «هارون عن طليق».
(١٠) سقط من «ب»
(١١) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٧٩.
(١٢) البحر المحيط ٧ / ٢٥٧ قال : «ويبعد أن يكون ضمير الساعة لأنه مذهوب به مذهب التذكير لا يكون إلا في الشعر».